بغياب دور الأب..هل تنجح الأسرة؟

بغياب دور الأب..هل تنجح الأسرة؟




نركز في كتاباتنا عن التربية على الأم ودورها في حياة الأبناء، ولا نذكر الآباء إلا في مرات قليلة،
وعلى أهمية تأثير شخصية الأم بالأبناء إلا أن للآباء دوراً لا يقل أهمية،

لأن الأبناء يحاكون والديهم معا و يأخذون من كل منهما. و الأبناء يستقون سلوكهم ليس من الظاهر
من سلوك آبائهم فحسب، بل يتعدون ذلك الى مستويات أعمق بكثير مما يظن الآباء، فالأب يعيش
في بيته غالبا دون ان يأخذ بالحسبان أن أبناءه يقلدونه، فيحيا على طبيعته بغير تكلف، بينما الصح
ان يحسب لتصرفاته لأنه قدوة أبنائه، فان كان الأب متعاوناحنونا مع زوجته تعلم ذلك الأبناء،
و الأب الناجح هو الأب العطوف بأسرته، يمنح الجميع الحب والحنان ويشملهم برعايته، و بالمقابل
الأب القاسي هو المتسبب الأول في الأمراض النفسية عند أبنائه والمشجع الأول على تفكك الأسرة،
و الأب القريب من أبنائه ومن دراستهم وأصدقائهم، يكسب أفرادا أصحاء يكبرون وعندهم ثقة
بالحياة ويؤدون أدوارهم في المجتمع بشكل سليم، واذا كانت صورة الأب النمطية والمطلوبة أن
يكون حازما،الا أن الحزم لا يعني القسوة، كما الرفق والحب والرحمة لا تعني أن يتهاون الأب
مع أولاده في المواقف التي تتطلب الحزم، والتربية السليمة كما قلنا تستدعي من كل أب أن يقف
مع ولده وقفة حازمة يوضح له فيها الحدود و يبين له القواعد التي ينبغي أن يراعيها، مع ضرورة
أن يتذكر الأب أن وقفاته مع ولده لا تنسى ولكنها تحفر في ذهن الابن، خاصة اذا كان قدوة صالحة
فانها تترسخ وتصبح خلقا ثابتا فيه صفة أكيدة من صفاته ..‏

وبهذا يكون الأب في بيته قائداً لمدرسة تربوية لها منهج ووسائل كما أن لها محددات و أطر، فعليه
أن يضع منهجها على أن لا يعني ذلك الجمود والتشنج في تطبيق ضوابط تلك المدرسة، وانما الانتباه
لما يقوم به من تصرفات داخل الأسرة التي قبل أن يكون أساسها، وهذا يحتاج منه تثقيف نفسه و تعلم
فن التربية و أساليبها ومداومة سؤال المربين والخبراء في ذلك، ولا نبالغ ان قلنا أنه يستدعي أيضا
متابعة الإصدارات التربوية الحديثة والوقوف على ما ينفع منها. وكما نطلب من الأم تعلم الصبر، فان
تعلم الأب الصبر على الأولاد من المهارات الأبوية الهامة، علما أن المربين يحذرون من كثرة معاملة
الأولاد بالغضب خصوصاً إذا كانت طبيعة الأب عصبية أو سريعة الغضب، كما يحذرون الآباء من
ضرب أولادهم في لحظات الغضب فإن ذلك من الأخطاء الخطيرة التي لا تؤدي إلى تعليم ولا توجيه
و لكنها عبارة عن تفريغ غيظ فحسب..‏

واذا نظرنا في محيطنا نجد أن الأم التي تترك وحيدة مع أبنائها تعاني كثيراً ولا تحقق ما هو مطلوب
لتنشئة سليمة، كما نجد أن الأب بحاجة إلى أن يخلو بولده كل مدة قريبة ليمازحه و يكلمه و يسأله
ويتقرب منه ويسأله عما يحزنه أو يؤرقه أو لا يعجبه ويسأله عن آماله و أحلامه و طموحاته فلقاءات
المكاشفة و المصارحة هي تفريغ نفسي وجداني هام للغاية في تربية الأولاد، ولئن اشتكى معظم الآباء
من عدم قدرتهم على التقرب من أولادهم، فلأنهم لم يعتادوا عليها، ولأنهم قد نصروا في لقاءات
المصارحة تلك في الصغر فصعب عليهم ذلك في الكبر و بنيت الجدران بينهم و بين أولادهم!!‏

مهما كانت الأم متقنة لدورها في البيت و مخلصة له، الا ان الأسرة لا تنجح بغياب دور الأب أو تراجعه،
وهناك علاقة قوية جداً بين كون الأب ناجحاً و بين كونه زوجاً ناجحاً، فالزوج الناجح هو الذي يهيىء
لأولاده البيئة الأسرية الخالية من المشكلات و المؤرقات و المنغصات و المؤثرات النفسية السلبية
وهو الذي يعين زوجته ويساعدها ويقف الى جانبها في تربية الأبناء
وذلك لإتمام العملية التربوية بنجاح.‏ .


ودمتم بود.