الوشم من التراث الليبي

يعد الوشم نوعا من الرسوم التي عرفها الإنسان منذ فجر التاريخ، وقد نقش الإنسان الرسومات والرموز على الحجر وعلى أوانيه ومعداته، ونقش على جسمه أيضا ذلك النقش الذي يسمى وشما، ومهما يكن الغرض من وشمه على جسمه وما قيل فيه حول معتقداته ودياناته ألا أنها سمه كانت تمارس عند بعض الشعوب حتى تاريخ قريب ونحن في هذه المقالة لسنا بصدد در اسه الوشم والنقش عبر التاريخ ولكن سنحاول التحدث وبشكل مبسط عن الوشم في تراثنا الليبي.
الوشم في التراث الليبي موروث ضارب في القدم وجدير بالملاحظة وبالدر اسه وهذه مجرد محاولة لمعرفة كنه تلك الأشارات التي وشمت على جسم المرأة وخاصة وجهها لتضيف على جمالها جمالا، ونحاول فهم تلك الرموز وبالذات خط الوشم الذي يرسم علي ذقن الفتاه ويسمي ( شعبيا ) " وشمة "، وأطلق عليه هذا الأسم دون الإشارات الوشمية الأخرى التي سميت - شنقال – غماز - خرم "- وسنحاول تناول كل إشارة علي حدى. ولنبدا أولا بمحاولة معرفة أهم الأوشام وهو الوشم الذي بذقن المرأة .
الوشمة عبارة عن رسم لنخلة مقلوبة أصلها داخل الشفة السفلي وفرعها أسفل الذقن ومن هنا يأتى السؤال: لماذا تم اختيار النخلة بالذات لتوشم بها المرأة في ليبيا ؟ وتختص بها دون الرجل، وفي محاولة للإجابة عن هذه وتلك نقول، إن علاقة المرأة بالنخلة هي علاقة النخلة بالإنسان في ليبيا، النخلة المنقذة له في بحر الصحارى المتلاطم رمالا وسرابا.. الصامدة معه في لجج ذلك البحر المخيف ، قدمت له كل ما يحتاجه الآكل الطيب، والشراب اللذيذ، والمسكن الأمن، والأواني الصحية، والزينة كل ذلك قدمته السيدة النخلة دون عناية بها تذكر، وعلاوة علي ذلك زينت له مظاهر الحياة متمثلة في واحة خلابة خضراء ساحرة تأخذ بالألباب لتكسبه هدوءا وسكينه وراحة نفس وصفاء وتأملا ليكون شاعر،ا وفيلسوفا، ومفكرا، وطبيبا، وشجاعا لا يشق له غبار، انه الإنسان الحقيقي بكل معنى الكلمة .
إذا كان الاختيار غير عادى حينما وشمت المرأة الليبية بصورة النخلة وبمقارنة بسيطة ندرك أن المرأة هي الحاضنة للجنين لينمو ويتخلق في رحمها وتتحمل مشقة حمله ووضعه وإرضاعه والعناية به فما أشبه هذه بتلك .
وفى لفته للتأمل والتدبر من الخالق عز وجل إن جعل بقدرته أن أنسب وأطيب غذاء كامل يقدم للام فور ولادتها هو ثمار النخيل " التمر" وقد وردت إشارة واضحة لذلك في القران الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا مضت قال تعالى في سورة مريم (( وهزي إليك بجذع نخلة تساقط عليك رطبا جنيا )) وكرمت النخلة بذكرها كثيرا في القران الكريم بأنها من أشجار الجنه الموعودة.
وبذلك نصل للقول بأنه ليس للإنسان في صحراء الوجود من سبيل للبقاء إلا رحم الأم حتى يحافظ علي وجوده ونوعه ، وليس له أيضا في صحراء الأرض من سبيل للحياة سوى النخلة ليأمن جوائح الجوع والعطش والحر والبرد.
إذا النخلة هي آلام الثانية ، وعرفانا وتيقنا بذلك كان الليبيون دون غيرهم قد رمزوا وفي إشارة مغلفة بالجمال أن جعلوا وشم المرأة في وجهها تحديدا علي هيئة نخلة مقلوبة أصلها داخل الشفة السفلي لتكون أقرب إلى الحياة والكلمة الطيبة، وفرعها نحو الأرض لترمي أطيب الثمر ، وبذلك تكون كلا الأمين يعطيان دون انتظار مقابل ، فما أكرم هاتين الأمين التي يجدر بنا احترامهما وتقديرهما أيما تقدير.
فكم انتم عظماء أيها الليبيون ومفكرون وحكماء حينما وضعتم تلك الإشارة علي وجه المرأة لتعكس عظمة النخلة وأهميتها في حياتكم.
بعد ذلك نتناول بقية الإشارات الوشمية الأخرى والتي هي علي وجهه المرآة أيضا ومنها "الشنقال"والذي يرسم بمنتصف الجبين علي هيئة مخطافين متقاطعين بالرأس هكذا (x )، ويعني ذلك تفاؤلا بان تكون تلك الفتاة خاطفة لعقول الرجال بحسنها وجمالها وأدبها ونقاء معدنها ، تخطف العقول يمينا وشمالا لتتعلق بها شغفا وحبا في كسب ودها، أملا إن تجر الرجال بالعشرات بذينك المخطافين ليفوز أحدهم بها ، وأرى إن هذه الإشارة ليست بعيدة عن العادة التي جرت في التسميات التفاؤلية مثل "سعيده"و"صالحه" و"محبوبة" وغيرها.
أما الإشارة الوشمية الأخرى فهي عبارة عن ثلاث نقاط صغيره علي هيئة رؤوس مثلث هكذا ( ) وترسم بأعلى الخد ، واجتهادا في ذلك نقول، انه ورد في اللغة الليبية القديمة مثل هذه الإشارة وهي ترمز – للقير-(1) والقير هو أقراص شهد العسل قبل فصله من الشمع – ومن المعروف إن أجود العسل واطيبه في تلك الأقراص المصقولة بمهارة النحل، ومملؤة بأشهى واللذ أنواعه ، بالإضافة إلى لونها الأبيض المائل بشدة نحو الحمرة، أو الأحمر المائل إلى السمرة .
وبالإضافة إلى كون قير العسل منظره جميل ومصنوع بعناية فائقة، أضف الي ذلك أهم ميزاته وهو الدواء الشافي للأمراض كلها والجروح أيضا ، وتمشيا مع ذلك فأن الإشارة المذكور توشم بها خد الفتاة املا إن تكون صفحة وجهها نيرة وجميله، والنظر إليها يسر ويشفي الأمراض الروحية وجروح العشاق، وتكون أيضا صافية ونقيه وشافية لروح من احبها ودواء لعينه الباحثة عن الجمال، وبذلك تصبح هذه الإشارة ذات مدلول في المعني ولها بعدها التاريخي أيضا.
أما الإشارة الوشمية الأخرى مثل " الخرم" بالمنخر ناحية الأنف و "الغماز" بالوجنة كذلك النقطة التي بين الحاجبين و "النفالة" بأعلى الشفة العليا فهي محسنات جمالية ومكملة لجمال الوشم عموما ، وهذه الإشارات الأخيرة ليست مقصورة علي الفتيات فقط بل يوشم بها الشباب أحيانا .
هناك أيضا وشم مهم آخر توشم به المرأة وهو ذو معني ومدلول و فيه عمق عجيب ، ذلك هو رسم سمكتين علي ساقي المرأة من الخلف، ولعل ذلك يشير الي البحر وتعتبر هذه الإشارة تحذيريه ......... فلا يخفي علي أحد الربط في المعني بين المرأة والبحر ، فالبحر هادئ وجميل وبه الكنوز المخبأة ويقدم أطيب الغذاء ويحمل الإنسان من ارض الي أخرى و بأمان متي ما عرف الإنسان كيف يستفيد منه ، ولكنه غير آمن مع الذين يركبونه ولا يعرفونه تمام المعرفة ، ويتهورون بجهالة في التعامل معه، ويغامرون علي الغوص فيه بحماقة ، أولئك يفتك بهم فتكا ذريعا ويكتم أنفاسهم ويموتون خنقا وغرقا، وتقريبا ينطبق هذا علي المرأة ، فهي لاتعرف الغدر ولاتفتك بالرجل الذي يعرف ويقدر قيمتها وكيفية احترام إنسانيتها وطيب عطاءها وعطفها ورقة أحاسيسها ، ولكن الذين لا يعرفون سبر أعماق عقلها وروحها وتفهم كيانها ، أولئك يكون فتكها بهم شديدا وقاتلا روحيا وجسديا أحيانا، وذلك تبعا لتقلبات طقس الحياة.
ونجد في أدبنا الشعبي وفي مجال الشعر خاصة الكثير من التغني بجمال المرأة و بذلك السحر العجيب الذي أضافه عليها الوشم وخاصة ذلك السحر الخفي في عينيها وابتسامتها بتأثير الوشم والذي لاتجد له سببا معروفا ، وقد نسج الشعراء أروع القصائد بأعذب الكلمات تغزلا في المرأة وجمال وشمها الذي أضفي عليها سحرا ووقارا ، وقد قال أحدهم قديما مخاطبا عينه في رمزية لنفسه التي ذبلت جراء الياس من النصيب في محبو بته ذات الابتسامه المليحة بتأثير الوشـم
" ذبل حالك من دار أو شام ..... سمح الابسام ........ اللي ما جابنه لقسام" (2)
وقال آخر، واصفا الاستحالة التي تقف سدا دون محبو بته ذات الوشم المتعرج والذي هو في اصله نقاط في الجلد براس الإبرة ( كالصورة النقطيه) بـ ( الزريطه) وهي العقبة الكؤد، لدرجة إن ذلك الكم من العقبات بكت منه الحجارة والتي تسمي عاميا ( حيطه)شفقة بحالة العين التي ترمز الي النفس. قال:
(( جا دون امعورج تنقيطه.........كم زريطه.........مشكي العين ايبكي الحيطه))(3)
والأمثلة علي ذلك كثيره، وقد سقنا هاذين المثلين لاقتراب المعني بينهما.
عزيزي القارئ ليس القصد من هذه المحاولة الدعوة الي وشم فتياتنا في عصر شبكة المعلومات – الانترنيت- ولكنها مجرد إضاءة علي موروث قديم كان يوما زينة للمرأة وبعدا في المعني.
ولاتزال المرأة في كل مكان وبطبيعتها تبحث عن الزينة ، وهاهي اليوم تلهث وراء آخر المبتكرات الكيمائية الضارة لتضعها كصبغة أو مساحيق علي وجهها ضاربة عرض الحائط بصحة بشرتها، بالإضافة الي إثقال كاهلها ماديا بشراء تللك الأصباغ والمساحيق ، ونكرر بأننا لاندعوا لوشم المرأة مجددا أيمانا منا بأن لكل عصر صيحته، بقدر ما نستنكر البدائل الضارة ونرجو للمرأة الام السلامة.

بارك الله فيك
مشكور جدا على المعلومات القيمة


تحياتى

ٍٍِِمشكورين لمروركم
الطيب والرائع
لمتصفحي المتواضع
لكم مني تحيا تي

بارك الله فيك
احسنت وابدعت
تقبل مروري
وتحياتي