هو هولاكو بن تولي بن جنكيز خان أرسله أخوه منكو إلى غرب آسيا لفتح إيران والعراق وبلاد الشام ومصر وبلاد سلاجقة الروم والأرمن وجعله نائبا عنه (إيلخانا) في البلاد التي يغزوها ويستولي عليها. وكان منكو قد خلف (كيوك بن جنكيز خان) في زعامة المغول, وكانت حملة هولاكو هي الحملة الثانية بعد حملة جنكيز خان (616-625هـ) (1219-1227م) التي انتهت بالاستيلاء على دولة خوارزم في عهد آخر ملوكها جلال الدين منكوبرتي وقد جهز هولاكو جيشا ضخما وخرج سنة 650هـ من (قره كروم) عاصمة المغول وقد زوده أخوه الخان الأعظم منكو بتعليمات مشددة وأن يستأصل شأفة الإسماعيلية الحشيشية في (ألاموت) وفي جميع معاقلهم الأخرى وأن يحطم الخلافة العباسية في بغداد. وقد أمضى هولاكو صيف عام 652هـ في تركستان ثم توجه إلى سمرقند سنة 653هـ ثم قصد ولاية (قهستان) سنة 654هـ وحاصر قلعة (ألاموت) فاستسلم له زعيم الإسماعيلية وهو شيخ الجبل ركن الدين خورشاه, فأرسله إلى أخيه (منكو) في (قره كروم) فقتله وقتل من كان معه من أهله وأولاده ورجاله. وفي (ألاموت) قتل هولاكو من زاد عمره على عشر سنوات ثم استولى على معاقل الإسماعيلية في (قزوين) وقتل جميع من فيهم من رجال ونساء حتى الأطفال في مهادهم. ثم توجه هولاكو إلى بغداد وكان مؤيد الدين بن العلقمي وزير الخليفة المستعصم بالله قد أطمعه فيها ومهد له سبيل الاستيلاء عليها لأسباب وردت في ترجمة ابن العلقمي (ت: 656هـ). وتوجه المغول إلى بغداد في ثلاثة جيوش: أحدها بقيادة (بانجو نوين) عن طريق الموصل والثاني بقيادة (كتبغا) صهر هولاكو عن طريق خوزستان والموصل والثالث بقيادة هولاكو نفسه عن طريق همذان وقد التقت هذه الجيوش حول بغداد. وقبل أن يقدم هولاكو على اقتحامها استشار كبار رجال دولته في استطلاع النجوم وطوالع السعد والنحس, وقد حضه فلكي يدعى حسام الدين, كان يرافقه, بالعطف على الخليفة المستعصم, وكان هذا الفلكي سنيا, وكان يريد أن يثني عزم هولاكو وتصميمه على قتل الخليفة, فراح يؤكد له أن الحملة على بغداد سوف تحدث خللا في نظام الكون وستكون وبالا على الخان نفسه (أن هولاكو). واستدعى هولاكو بعد ذلك نصر الدين الطوسي, العالم الفلكي واستشاره, وكان الطوسي متشيعا, يكره الخليفة ويعمل على إسقاطه, فنفى ما قاله الفلكي حسام الدين وأيد قوله بحجج تنقض نبوءة حسام الدين فذكر أن الكثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتوا في الدفاع عن الدين ومع ذلك لم تقع أية كارثة, وتمثل الطوسي بطاهر بن الحسين, وزير المأمون فإنه قتل الأمين, وكذلك الأمراء الذين قتلوا الخليفة المتوكل والمنتصر والمعتز وغيرهم. فلما سمع هولاكو ما قال نصر الدين أمر الجيش أن يقتحم بغداد فاقتحمها في (كانون الثاني / يناير سنة 1258م) ولم يستطع جيش الخليفة لها دفعا. ودام القتل والنهب في بغداد نحو أربعين يوما, ثم أشعل المغول النار في المدينة فأحرقوا جامع الخليفة ومشهد موسى الكاظم وقبور الخلفاء, وداهموا دور الكتب وألقوا ما فيها في دجلة حتى اسود ماؤه, ثم قبض على الخليفة فقتل وقتل معه ابنه الأكبر وقتل من وجد معه من العباسيين. وقد كان لسقوط بغداد والخلافة العباسية دوي هائل في مختلف مدن العالم الإسلامي, وأسرع حكام المدن العراقية كالبصرة والكوفة وواسط والنجف إلى استقبال جند المغول وأقاموا الأفراح ابتهاجا بقدومهم, وخف إلى تقديم فروض الطاعة لهولاكو أمراء الأقاليم والمدن ومنهم بدر الدين لؤلؤ أتابك الموصل وسعد بن أبي بكر قتلع خان أتابك فارس والسلطان عز الدين كيكاوس سلطان سلاجقة الروم ومعه أخوه السلطان ركن الدين قليج أرسلان الرابع, أولئك الأمراء والملوك والحكام الذين ظن المستعصم بالله أنهم سيثورون على المغول دفاعا عن الخلافة الإسلامية, كذلك فعل الملوك الأيوبيون بالشام, فقد أسرع الناصر صلاح الدين يوسف (الثاني) صاحب حلب ودمشق إلى إعلان خضوعه للمغول, فأرسل ابنه العزيز سنة 656هـ (1258م) إلى هولاكو بتحف وهدايا. ولم تكن مصانعة الملك الأيوبي لتمنع هولاكو من مهاجمة بني أيوب والاستيلاء على ميافارقين التي كان يحكمها الملك الكامل (الثاني) ناصر الدين محمد, بدعوى أن هذا الملك قتل راهبا سريانيا مر ببلاده بتفويض من المغول, في الوقت الذي كان يتولى حماية المسيحيين في الشرق مراعاة لوالدته وزوجته وكلتاهما مسيحية نسطورية. وقد ذبح المغول المسلمين من أهل ميافارقين ولم يتعرضوا للمسيحين بسوء. أما الملك الكامل ناصر الدين محمد (ابن المظفر غازي ابن الملك العادل بن نجم الدين أيوب) فقد قتلوه صبرا (أي أنهم قطعوا جسده إربا إربا) وحملوا رأسه على حربة وطيف به في جميع أنحاء الشام من حلب إلى دمشق. أما ما فعله الملك الناصر صلاح الدين يوسف (الثاني) بإرسال ولده العزيز إلى هولاكو مصحوبا بتحف وهدايا ثمينة التماسا لعطف هولاكو والدخول في طاعته فلم ينل قبولا من هولاكو فقد كان ينبغي عليه أن يحضر بنفسه بدلا من إرسال ابنه فحضر إليه بنفسه فأكرمه.
قرر هولاكو مهاجة سورية وجهز لغزوها جيشا وتطوع بالانضمام إليه كل من ركن الدين إسماعيل بن بدر الدين لؤلؤ أتابك الموصل والملك هيثوم الأول ملك الأرمن ومعه زوج ابنته بوهمند السادس الصليبي صاحب إنطاكية وطرابلس. وتوجه هولاكو بجيشه وأعوانه فحاصر حلب ودخلها بعد حصار دام سبعة أيام وأمعن المغول فيها قتلا ونهبا وسبيا, ودمروا قلعتها الحصينة. وقد أدى سقوط حلب إلى إثارة الذعر في جميع بلاد الشام الإسلامية, وأسرع الملك الأيوبي الأشرف موسى (الثاني) صاحب حمص (حفيد أسد الدين شيركوه) إلى الدخول في طاعته, فأقره هولاكو على ما في يده, على أن يكون تابعا له, وتخلى الملك المنصور (الثاني) سيف الدين محمد عن حماة وغادرها واضطر أهلها إلى تسليم المدينة وطلب الأمان. وخرج وفد من دمشق إلى مقابلة هولاكو في حلب يحمل إليه مفاتيح المدينة برئاسة القاضي محيي الدين الزكي, وسلموه المفاتيح فخلع هولاكو على القاضي وعينه نائبا عنه في دمشق وعهد هولاكو إلى صهره (كتبغا) أن يدخل دمشق بالأمان على رأس الجيش المغولي, وأن يتولى فتح بقية بلاد الشام ومصر وجعله نائبا عنه وعاد إلى (كره كروم) عاصمة المغول, إذ بلغه وفاة أخيه (منكو) الخان الأكبر وقيام نزاع بينه وبين إخوته على اقتسام إمبراطورية المغول الواسعة. وفي مصر استقر رأي المماليك على قتال المغول لصدهم عن مصر, واستعد السلطان المملوكي قطز لقتالهم وخرج الجيش المصري في (تموز - يوليو سنة 1260م) بقيادة الأمير بيبرس البندقداري والتقى بالمغول في عين جالوت في (3 أيلول - سبتمبر سنة 1260م) وهزم جيشهم وقتل قائدهم (كتبغا) في الموقعة. ولما سمع هولاكو بهزيمة المغول وقتل قائدهم قتل الملك الناصر صلاح الدين يوسف الثاني وقتل معه من لجأ إليه من الأمراء الأيوبيين.
وفي عام 664هـ توفي هولاكو في مدينة (مراغة) بأذربيجان, عاصمة دولة المغول (الإيلخانية) وخلفه ابنه (أبافا). كان هولاكو من أعظم ملوك المغول حزما وشجاعة وأكثرهم إغراما في سفك الدماء, وقد استولى على الممالك والأقاليم في أقصر مدة وفتح بلاد خراسان وأذربيجان وعراق العجم (إيران) وعراق العرب والموصل والجزيرة ودياربكر والشام وبلاد سلاجقة الروم وقتل الخليفة العباسي المستعصم بالله كان على قاعدة المغول, لا يدين بدين, وكانت أمه نصرانية وكذلك زوجته (ظفر خاتون) وكانت زوجة أبيه من قبل, تزوجها بعد وفاته. كانت وفاته بعلة الصرع. مات وله من العمر ستون سنة وخلف من الأولاد سبعة عشر ولدا
الأحد ديسمبر 15, 2019 10:18 am من طرف عاطف0
