السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها
فاطمة بنت رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ابن عبد الله بن عبد المطلب , الهاشمية القرشية , وأمها خديجة بنت خويلد : من نابهات قريش
وإحدى الفصيحات العاقلات , تزوج السيدة فاطمة رضي الله عنها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام , وولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب ,
وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر , وهي أول من جُعل له النعش في الإسلام , وللسيدة الزهراء رضي الله عنها ثمانية عشرا حديثاً .
وُلدت السيدة الزهراء رضي الله عنها قبل البعثة النبوية بخمس سنوات , وكانت آخر أولاده من السيدة خديجة رضي الله عنها وهي رابع بناته . وهي ريحانة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت تلازمه أينما سار . و كانت السيدة فاطمة تحب والدها حباً عظيماً لا يحتمله قلب طفل في مثل سنها , لهذا كانت
تحرص عليه وتسير معه في طرقات مكة وتذهب وإياه إلى الكعبة المشرفة . وحين توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها أصبحت تسهر على راحة أبيها
وتمنحه من العطف والرعاية والحنان ما كانت تمنحه إياه السيدة خديجة , لهذا سميت السيدة فاطمة بأم أبيها , وذلك لأنها كانت له بمثابة الأم الحنون والبنت
الوفية التي عاونته في أحلك اللحظات .
ألقابها :
لُقبت السيدة فاطمة رضي الله عنها بالزهراء وذلك لبياض وجهها وما كان يتلألأ فيه من أنوار , وكانت إذا قامت تصلي أشرق المحراب بنور وجهها و
شعت في جوانبه أشعة من الأضواء . ولقبت أيضا بالبتول لأنها انقطعت عن الدنيا , وتفرغت لعبادة الله والصلاة وقراءة القرآن الكريم .
منزلة السيدة فاطمة في الجنة :
بعثها يوم القيامة ومرورها على الصراط :
_ روي بسند عن أبي هريرة رضي الله عنه , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" تبعث الأنبياء يوم القيامة على الدواب ليوافوا من
أقوامهم المحشر , ويبعث صالح على ناقته وابعث على البراق خطوها عند أقصى طرفها وتبعث فاطمة أمامي" . المستدرك على الصحيحين 3/166.
_ روي بسند عن الإمام علي رضي الله عنه , قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
"إذا كان يوم القيامة نادى منادي من وراء الحجاب يا أهل الجمع غضوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمد حتى تمرّ , فتمرّ وعليها ربطتان خضراوان" .
المستدرك على الصحيحين 3/166 . والمعجم الكبير للطبراني1/108
مقام السيدة فاطمة رضي الله عنها :
_عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت عن فاطمة الزهراء :
كانت إذا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام إليها , فقبلها وأجلسها في مجلسه وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل
عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها . الترمذي (3872)
_ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " فاطمة بضعة مني , فمن أغضبها فقد أغضبني " رواه البخاري / 3767 /
_ عن زيد بن الأرقم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين : "أنا حرب لمن حاربكم
وسلم لمن سالمكم " رواه احمد والترمذي .
- عن ابن عباس رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة " رواه احمد في مسنده .
- عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما رأيت أحدا أشبه سمتاً وحديثاً وهدياً برسول الله في قيامه وقعوده من فاطمة , كانت إذا دخلت على
رسول الله قام إليها فقبلها ورحب بها واخذ بيدها وأجلسها في مجلسه . رواه الترمذي , وابن عبد ربه في العقد الفريد 2/3 .
- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه , انه دخل على فاطمة رضي الله عنها فقال :
يا فاطمة والله ما رأيت أحدا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منك , والله ما كان احد من الناس بعد أبيك أحب إلي منك .
مستدرك الصحيحين 3/155 , 168 ح 4736 .
- روي بسند عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه , عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم انه قال :
" إنما فاطمة بضعة مني , يؤذيني ما آذاها ويغضبني ما أغضبها " البخاري 3/1361. مسلم 5/54.
- روي بسند عن جابر رضي الله عنه انه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
" لكل بني أم عصبة ينتمون إليهم إلا بني فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم " المستدرك على الصحيحين3/179
- روي بسند عن ابن عباس رضي الله عنه , قال : قال خط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة خطوط ثم قال : " أتدرون ما هذا ؟
قالوا : الله ورسوله اعلم . قال : إن أفضل نساء أهل الجنة , خديجة بنت خويلد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وفاطمة بنت محمد"
المستدرك على الصحيحين 2/539 . مسند احمد 1/482.
- روي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : كان رسول الله إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة رضي الله عنها وهي
أول من يدخل عليها إذا قدم .مسند احمد 6/370 .
- اخرج احمد وغيره , أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قدم من سفره أتى فاطمة رضي الله عنها وأطال المكث عندها الصواعق
المحرقة للهيتمي 182 – 183 , سنن البيهقي 1/26.
فاطمة الزوجة والأم :
انتقلت السيدة فاطمة رضي الله عنها إلى بيت زوجها المتواضع سعيدة راضية , فقد علمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم معنى الحياة وأوحى لها بأن الإنسانية
هي جوهر الحياة وان السعادة الزوجية القائمة على الأخلاق والقيم الإنسانية هي أسمى من المال والقصور والزخارف .
عاشت السيدة الزهراء في كنف زوجها قريرة العين سعيدة النفس لا تفارقها البساطة ولا تبرح بيتها خشونة الحياة .
- روي عن الإمام علي عليه السلام في حديث تزويجه بفاطم , قال : ثم صاح بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي , فقلت : لبيك يا رسول الله .
فقال : ادخل بيتك ألطف بزوجتك وأرفق بها فان فاطمة بضعة مني يؤلمني ما يؤلمها ويسرني ما يسرها . قال الإمام علي : فوا لله ما أغضبتها ولا أكرهتها على
أمر حتى قبضها الله عز وجل ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرا ولقد كنت انظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان
وصورّ لنا كتّاب التاريخ والسير صورة الحياة العائلية الفريدة التي كانت تعيشها فاطمة مع زوجها وأبنائها تحت ظلال أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فقد روي انه دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة وهي تبكي وتطحن بالرحى , وعليها كساء من أجلة الإبل , فلما رآها بكى وقال : يا فاطمة تجرعي
مرارة الدنيا اليوم لنعيم الآخرة غداً , فقالت فاطمة : يا رسول الله , الحمد لله على نعمائه و الشكر لله على آلائه
فما أعظم هذه الصورة العائلية الفريدة التي ندرت في عصرنا هذا .
ثم أثمرت شجرة النبوة وولدت السيدة فاطمة الزهراء , الحسن والحسين وزينب الكبرى وزينب الصغرى الملقبة بأم كلثوم . وشهد المسلمون حب رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم لأولاد فاطمة وعلي رضي الله عنهم أجمعين , وقد كشفت لنا السنة النبوية أن فاطمة هي قاعدة بيت أهل الرسالة وامتداد النبوة .
تحدث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها وعن زوجها وأولادهما وعن حبه لهم وارتباطه بهم لا ليعبر عن مشاعر القربى والنسب أو رابطة العاطفة
وعلاقة الأبوة , بل ليعبر عن مقامهم ومكانتهم عند الله سبحانه وتعالى و تشخيصا لموقعهم ودورهم في حياة هذه الأمة وتاريخها .
حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين :
" أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم " .
ويرتبط بهذا المقام الروحي السامي والكمال السلوكي لهذه النخبة العطرة , ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باب بيتهم مفتوحا على مسجده حين أمر
بسد الأبواب الأخرى التي كانت تؤدي إلى المسجد .
فعن زيد بن الأرقم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
" سدوا أبواب المسجد كلها إلا باب علي " الطبري في ذخائر العقبى ص 76-77 , أخرجه احمد عن ابن عمر
وهكذا ربى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة لتكون مثلاً للمرأة المسلمة وقدوة للفتاة المؤمنة ونموذجاً رسا ليا في دنيا الإنسان ,
وفاطمة الزاهدة هي فاطمة العابدة والمتبتلة ... وهي التي قال عنها ابنها الإمام الحسن عليه السلام :
" رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعة , فلم تزل راكعة ساجدة حتى أتضح عمود الصبح و وسمعتها تدعوا للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم بأسمائهم
وتكثر الدعاء لم ولا تدعوا لنفسها بشيء , فقلت لها : يا أماه لمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك , فقالت : يا بني الجار ثم الدار .
وفاة السيدة فاطمة رضي الله عنها :
حزنت السيدة فاطمة الزهراء على وفاة أبيها حزنا شديداً ولم ترَ أبدا مبتسمة وتقول فاطمة : بعد وفاة أبي بأيام بكيت بكاء شديداً , وفي إحدى الليالي
صليت ونمت .. فرأيت في منامي كأن ملائكة طاروا بي في السماوات حتى وصلت إلى مكان بديع فيه القصور والحور , فقالوا لي : انه مكان أبيك والأنبياء
والصديقين .. ورأيت أبي جالساً على أريكة من النور , فأخذني بجانبه ثم قبل رأسي وقال : انظري يا فاطمة إلى تلك القصور البيضاء والبساتين الفيحاء
فنظرت إليها وقلت : لمن هذه القصور يا أبتاه ؟ قال : إنها مسكنك أنت وعلي والحسن والحسين ثم صحوت من نومي وأنا مشتاقة إلى لقاء أبي الحبيب .
وتوفيت رضي الله عنها يوم الثلاثاء لثلاث من رمضان سنة إحدى عشرة وهي بنت ثمان وعشرين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بستة أشهر .
ودفنت بالبقيع ليلا , وصلى عليها الإمام علي عليه السلام .
فسلام على الزهراء في الخالدين .... سلام عليها في الملأ الأعلى إلى يوم الدين