بسم الله الرحمن الرحيم
سلاما على الاحباب في البعد وفي القرب
هذه الحكاية تكاد أن تكون (حجاوة) مــن أحاجي أهلنا القديمة
سمعت الحاج صالح بوبركة الحبوني في احد الأيام وقد لاحت في أفق ذاكرته المتخمة بالأحداث وجوه أهله الذين قضوا يتغنى ببعض الأبيات الشعرية التي قالها أبوه إبراهيم بو صالح وهو يرثي أخيــه الأكبر محمد بو صالح اقصيبي بعد أن نال منه المرض في آخر أيام عمره وهو يقول:
بطلتني بالتسانيـــد وداك ما أبراه المـداوي
نلقاها انك اليوم سلمت ولانن أيديك المقـــاوي
يا راحتي ف المواعيد ويا فكتي م أللغــــاوي
من قبلك حسين وسعيد اللي كي صقور النداوي
من يوم فقدته راقد الهيف وحنا كومنا كوم شاوي
فسألت بدافع الفضول عن سعيد هذا الذي ورد ذكره في القصيدة, والذي لم اسمع به من قبل فما وجدت إلا شخصا ينبغي أن تخلد ذكراه ولو بسطور بسيطة في سير الترث الليبي.
كان سعيد وهو احد أبناء بالحسن بو صالح اقصيبي وابن عزيزة الكحاشية في صغرة يرعى الابقار عادة بوادي الملاحة حيث لم يسمح له ابوه ان يرد الكتاب لحفظ القران لانه كبيراخوتة في الفترة التي كان فيها باقي اخوته صغار السن, والجدير بالذكر هنا إن سعيد بالحسن و لامين محمد هم أول أحفاد صالح إبراهيم الشهير بـ(اقصيبي) ومن شدة شوقه للعلم كان يقترب بقطيعة من المكـان الذي كان يدرس فيه القران للاولاد شأن ذلك الزمان وهو عبارة عن (عقر) بوادي الملاحة لازال موجود حتى الان فلما رآه الفقيه على هذا الحال قال له: لما لا تأتي لتتعلم وتحفظ كتــاب الله فأخبره أنه يود ذلك ولكن والده لا يسمح لـه ثم قال: ولكن يا سيدي الفقيه أنا أحفظ الكثير من القران حيث استمع إليكم وانتـم تقرءون كل يوم فتعجب الفقيه! من قوله ثم اختبره فوجد انه يقول الحق, هنـا أيقن الفقيه أن هذه الموهبة لا ينبغي أن تدفن كما هو الحال في تلك الأيام نتيجة ضنك المعيشة.
فقال له الفقيه : أخبر والدك بأن غداء الفقيه والطلبة عندكم غدا , وكان بالحسن بو اقصيبي رجلا مضيافا فلما اقترب الفقيه من البيت اخبر الطلبة بأن لا يمدوا أيديهم للطعام حتى يأذن لهم الفقيه فلما رأى بالحسن أيديهم لا تصل إلى الطعام أدرك أن للفقيه حاجه فقال له: مد يدك وحاجتك مقضيه بأذن الله , فطلب منه أن يسمح لـ سعيد بورود الكتاب لحفظ القران والتعلم, فوافق إرضاء له.
هنا بداء مشوار صاحبنا فلقد لمع في حفظ القران حيث كان يمحي اللوح ثلاث محيات في اليوم الواحد وكل محيه كما هو معروف ثمن حزب من القران ومحي اللوح يعني بالضرورة حفظ ما كتب عليا حفظا تامــا متميزا بذلك عن جميع الطلبة الذين كانوا معه ودام على هذا إلى أن أتم حفظ القران الكريم في فترة وجيزة ثم ذهب إلى الجغبوب والواحات المجاورة لها كمعلم ومحفظ للقرأن الكريم , ثم بعد مجيئ الطليان الذين دنسوا ارض الوطن انخرط في الحركه الجهادية وكان ما كان بين المجاهدين والغزاة الطليان ومن ثم تحالف المجاهدين مع الاتراك وعزمهم على الذهاب لتركيا كبند من بنود ذلك التحالف لتلقي التريب العسكري, إلا أن سعيد لم تكن له رغبة في ترك الوطن فما قيمة الجهاد إذا ترك الوطن للمستعمر فيقال انه دعا ربه بان لا يخرج من هذا البلد واستجاب له ربه حيث أعياه المرض في غوط السلطان جنوب بنغـازي ( وهناك قول إنها منطقـة سيدي سلطان جنوب البريقة) وهو ابن السابعة عشر ومات غريبا كما عاش غريبا ونرى هذا كما ورد على لسانه رحمه الله في نص رسالة بعث بها لقريبه وصديقه الفقيــــة عبدا لقادر بوبكر الصائغ(والد الاعلامي المعروف مكائيل الحبوني) لا تفتقر إلى البلاغة وجماليات الحديث حيث يقول فيها:
رسالة من المجاهد سعيد بالحسن الحبوني إلى عبدا لقادر أبوبكر وباقي أفراد القبيلة
بسم الله الرحمن الرحيم
&سلام على الأحباب في البعد وفي القرب كما تشوقت بالبعد , لقد صار بيننا موح وجوبه وصارت دموع العين تجري على الخد , فـ والله ما نبغي فراقكم أبدا ولكن حكم الله يجري على العبد , فبلغ سلامي يا حامل كتابي وقل لهم : مقامكم عندي مكرم بسبب الجهاد تغربت إليكم , فان طول الرحمن عمري وعمركم أكون قريبـا وأرجع إليكم وان حكم الرحمن بيني و بينكم أموت غريبا.
و السلام عليكم
سعيد بالحسن الحبوني
من دور عكرمة إلى عبدا لقادر أبوبكر دور الملاحة عام 1914 م &
*توفي في غوط السلطان جنوب بنغازي مع رفيقه في الجهاد أمقرب صالح الحبوني عائلة إدريس دندون.*
وهذا الذي بين العلامتين تعليق كتب على هامش الرسالة ويمكن أن استنبط منه أن موته يرجح أن يكون بأستشهادة مع بعض رفاقه في الجهاد كما جاء في هذا التعليق متأثرا بجراح من أحد المعارك وليس بسبب المرض.
هذا ما استطعت أن اجمعه عن سيرة هذا الرجل العظيم بعد أن طوى الزمن معظم تفاصيل حياته.
[center]والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته