سيدي الفاضل أدام الله عزكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ(8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
مع أن الله أوحى إلى أم سيدنا موسى أن تلقيه في اليم وطمأنها بقوله: {..إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} فما أن ألقت طفلها في اليم حتى هاجها حنانها وعطفها وكادت تلحق به وتظهر للناس أمرها. {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً..} مع أنها امرأة مؤمنة وكل هذه الطمأنينة من الله لم تحتمل فراق طفلها.
والسؤال:
في قصة السيدة حليمة السعدية سيد المرسلين وخاتم النبيين وأكمل الخلق خلقاً وخلُقاً. هل تتخلى عنه أمه وترسله مع امرأة لم تكد تعرفها إلى البادية؟
وهي المصابة بمصاب جلل بفقدانها زوجها ولم يبق لها من الدنيا سوى طفلها وتتركه يبتعد عنها صلى الله عليه وسلم لا بل وجده وأعمامه المصابين أيضاً بفقدان عزيزاً عليهم يذهبونه إلى البادية. أحقاً لم يكن في قريش كلها مرضعةً؟ أحقاً جف حليب أمه؟
ألم يقل الله تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} وآية: {.. أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ..}؟
وهل آية: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ..} فقط لسيدنا موسى؟ أم قانون لكل الرسل؟
أنبئونا بالحق لأنكم انتم أهل الحق أرجو أن لا يكون سؤالي للسؤال فقط.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجـابــــة:
الأخ الفاضل حفظه المولى الكريم ... آمين
لكل أمر حكمة ولكل زمان ترتيب ولكل نبي عبر وعظات فما هذا الحض من أم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المعظَّم المكرم قبل إدراك الحكمة البالغة.
يعمد الآباء لإرسال أبنائهم للدراسة إلى مشارق الأرض ومغاربها بغية نوال شهادة دنيوية مرموقة ومستقبل دنيوي لا أخروي. ولا يعلق على ذلك أحد إلا حب وحرص الوالدين على مستقبل ذويهم الذين أيضاً يغيبون عنهم السنين الطوال.
أين حكمة رضاع سيدنا موسى عليه السلام من حكمة رضاع سيد الخلق صلى الله عليه وسلم شتَّان بين مشرِّق ومغرِّب. فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فخر النبيين وسيد وسند المرسلين كان السابق الأسبق بالأزل وعنده نفس الصدق العظيم ليكون السابق الأسبق في الدنيا لذلك حرَّم تعالى عليه رضاع أمه لئلا يتعلق بسواه ويبقى السابق المجلّي بتعلُّقه بالحب للحبيب الأول جل جلاله ويبقى بالدنيا السابق الأسبق على النبيين العظام والسادة الرسل الكرام لذا: قطعه عن أبيه فأمات أباه لئلا يتعلَّق صلى الله عليه وسلم بسواه كما حرمه رضاع أمه لكيلا يميل أبداً إلى سواه كذلك أمات تعالى جدَّه لئلا يتوجه إليه بل ليبقى توجهه النفسي الكلي لحضرة الله فيغرف من كمالاته تعالى الحسنى ما يبقى في ديمومة السمو والعلو إلى سدرة المنتهى المكانة العلية التي لم يبلغها الأنبياء والمرسلون، فلا يتعلَّق بمخلوق يخفف من علاقته وتعلُّقه السامي الأسمى بحضرة الله.
يا أخي بالنسبة لأمه وقد انقطع حليبها فهل تتركه بلا غذاء ولا طعام؟!
الرحمة قبول فراقه لديمومة حياته لفترة يعود بعدها لأحضانها صحيحاً سليماً. فهل يرتعد قلبها حين تعلم أنه يتغذى ويصح وينمو سليماً سالماً؟
هل ألقته في بحر لجّي حتى تخاف عليه!.
عجب للمقارنة بين أم سيدنا موسى عليه السلام وبين أم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولا مقارنة.
قلنا أن الآباء والأمهات من أجل مستقبل دنيوي عارض وزائل يصبرون على بعد أبنائهم وهم يدرسون بأقاصي بلاد الدنيا أفلا تصبر على غذاء وحياة ابنها ليرضع ويتغذى ويترعرع أم تظن أن الرحمة تقضي أن تبقيه في حضنها بلا غذاء وليس في صدرها حليب؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.