الأدب الشعبي وفنونه

الكاتب// احمد النويري
تعريفه :
اختلف البحاث والدارسون والمهتمون بهدا الون من الأدب الشعبي في تعريفه ؛ بعضهم سماه الشعر العامي ، وأطلق عليه البعض الاخر اسم {الملحون } ، وقال بعضهم إنه الزجل ، وعندما تقف بين الناس وخاصة الشعراء منهم تجدهم ينعتونه {غني} ، وهي تسميات كلها يعيبها عدم الدقة في التعريف ، فالشعر الشعبي من حيت أنه شعر يعبر عن العواطف والأحاسـيس ، لا يختلف عن الشعر الفصحي إلا في الإدارة المستعملة وهي الغة ، أو على الوجه الأصح اللهجة ، أما أغراضه فهي تكاد تكون وحدة ، والصلة وطيدة بين شعر الفصحي وشعر العامية فكلاهما يغترف من نبع واحد ، هو نبع الغة العربية التي تفرعت منها لهجات عديدة ، اختلـفت بـأختلاف القبائـل ، ثم خالطها بعد ذلك التحريف نتيجة لتلاقي القبائل العربية التي انتشرت بسبب حروبها مع غيرها من الشعوب كالفرس والرومــان أيام الفتح الإسلامي أو بسبب الهجرات بعد ذلك ، وحين انتقل العرب الي ربوع الأندلس والهند والصين وآسيا الصغرى وجزر البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا ، حيث تلاقحت ثقافاتهم مع ثقافات هده الشعوب ، وامتزجت بعض الكلمات من لسان هؤلاء مع كلامهم العربي الفصيح المعرب .

ومع اختلاف هده التعريفات بين البحاث والدارسين حول تعريف الشعر الشعبي ، فهو زجل عند بعضهم وشعر عامي عند البعض الآخر، وملحون عند البعض وعند البعض هو : الأدب الشعبي ، التسمية الأخيرة يستبعدها البحاث ، لأنها تسمية لجملة من ألوان الفنون الشعبية القولية ، أو يعرف بالمأثورات الشعبية ، وهي دئماً مجهولة المؤلف تتوارتها الأجيال بالرواية الشفوية ، وتصمد للزمن .

ويميل البحاث الي التسمية التي تقول بالشعر الملحون ، فهذا الوصف أليق به ، ووصفه بالمحون أولى من وصفه بالعامي ، حيث ينصرف المعنى نسبة للعامية ، أو إلي عامية لغته ، وحتى نبتعد به عن هده الصنعة من الأدباء ، وعندما نقول عن الملحون فهو من لحن يلحن في كلامه أي أنه ينطق بلغة غير معربة ، أو يقول شعراً ملحوناً .

ونحن في هذا التمهيد الموجز لانريد التوسع فيما يخص بعض هذا الموضوع ، الشعر الملحون ، أو الشعر الشعبي فهذا ما سنبحثه في أطروحة شاملة بعنوان {{ الشعر الشعبي في ليبيا ألف شاعر في مئة سنة }} .
وما لاحضناه خلال تعاملنا معه ، عبر ما قدمنا من برامج في هدا اللون من الأدب الشعبي ، وعند قيامنا بجميع ألوان عديدة ، وقصائـــد متنوعة الأغراض ومتباينة الأشكال الفنية ، تنحصر في جملة من التسميات تعارف عليها المهتمون بهدا اللون الأدبي ، وأصحاب الباع الطويل من
القول فيه، وهم فحول شعراء الملحون .
ومن اشكال الشعر الشعبي ، أو الملحون وجدنا التسميات التالية :
المجرودة _ القسيم _ بيت الطق أو الطبيلة _ البو طويل الشتاوة _ غناوة علم _ الملزومة _ القصيدة_ الرطيز أو تحبيس الجمل _ ضمة القشة _ مهاجاة الرحى _ التهيليم _ المهاجاة _ التعديد والنواح _ التربيج _ اغاني العمل : الحصاد والدراس والرغاطة .
كل هده الألوان من الغناء أو شعر الملحون تختلف من أبنيتها الفنية ، وتصلح كل منها لغرض لا تصلح له غيرها .

أ _ غناوة العلــم والشـتـاوة :
جمعنا هذين اللونين من الغناء للمقارنة بينهما من حيت البناء الفني ، والمضامين والايجاز والغرض فهما دائماً وفي الغالب في العاطفة وصفاً وتشبباً وهجراناً ، وإن قيلت كل من أغنية العلم والشتاوة في أغراض اجتماعية ، وسياسية ، واستخدمت في الرمز لإيصال معانيها بطريقة غير مبشرة ومن أمتلة اغنية العلم هذا النص :
(( الخاطر وحل في ناس ... نوا تركهم زادوا غلا ))
ومعنى النص أن قائل الأغنية : قلب الأمر على جميع وجوهه في أن يترك حبيبه لسبب من الأسباب ، وعقد العزم على التخلي عنه ، لكن وجد كل مشاعره تزداد به تعلقاً فتتوثق به ارتباطاً ، فتزداد محبته والهيام به .
وفي نص آخر :
(( اللي غلاه بالترويم ... انساه يادليلي واتركه))
ومعناه : أن من تسعى نحوه بالود والتذلل وهو ينفر منك ويزداد ابتعاداً ، خير لك تركه ونسيانه إلى الأبد .
أما عن الشتاوة ، فهي تأخد الشكل الفني الآتي :
(( نقول لها ياعين انسيه ... تساهيني وتسيل عليه))
و((قطاطيها ريم الجفال ... غرنبه حامن فوق رمال))
النص الأول ، في الحنين والشوق إلى الحبيب الذي فارق لسبب من الأسباب ، وترك حبيبه يذرف الدمع كلما غفل الوجدان عن الردع المتظاهر به أمام الناس أما في النص التاني ، فنجد الوصف المنتزع من البيئة ، فالنص يصف لنا شعر المرأة الموصوفة بأن لونه كلون ريش طير الغراب الشديد السواد ، وهذا الغراب يحوم طائراً فوق كثبان من الرمال الناعمة البيضاء ، وهو وصف لبشرة المرأة في تلك البيئة الصحراوية التي يندر فيها اللون الابيض بالنسبة للمرأة ونلاحض من نصوص أغاني العلم والشتاوة ، إنها دات وزن وقافية .

ب - الطبيلة ، أو بيت الطق ، أو الصفرة والعودة :

هي لون من الشعر الشعبي ، عبارة عن قصيدة شعبية تطول أو تقصر ، لها لازمة ، هي بمثابة المحورالذي تدور حوله الأبيات المتعددة للقصيدة ، أو الأغصان كما يسميها لشعراء والعارفون بالشعر الشعبي ، هي غالبا ما تكون في الوصف والتشبيب ، وتكون أيضاً في أغراض اجتماعية ، وهي تقدم في مناسبات الأفراح ، وخاصة في مناطق الجبل الغربي ، والوسط ، وفي مناطق شرق ليبيا متل منطقة اجدابيا ، وسلوق ، والجبل الأخضر، ومنطقة البطنان .
ولازمتها تتعدد فيها الشطرات ، فهي ثلاث شطرات أو أكتر خلاف ضمة القشة التي تكون لازمتها من شطرتين اتنين فقط .
ومتال بيت الطق أو الطبيلة للشاعر علي ابي راس (1)
(( دونك يم قطاطي سربة البعد وقربه ، زواره وين قردان وجربه ))
ميلاد المشاي (2)
(( جيت نشكي لحضرة جناب سعيده .. كما يشتكي العبد الفقير لسيده ))
نلاحضـ في بيت الطق ، أو قصيدة الطبيلة للشاعر الأول علي محمد أبو راس ، يتكون من ثلاث شطرات الأولى الثالثة متكافتان في وزنهما أما الوسطى فهي مجزاة وهدا الوزن يغلب على قصائد الطبيلة ، أما الشاعر التاني ، فقد ألف قصيدته من شطرتين فقط ، وهدا النسق معروف أيضاً عند الشعراء ، ويقدم ملحوناً على إيقاع الصفرة والعودة ، ويسمى عندهم طبيلة ، أوبيت طق ، ومن أغراضه الوصف والتشبيب والاجتماعيات ، ويصاحب الشاعر ردادة ، أو خماسة أو رباعة كما يطلق عليهم ، وهم في العادة اتنان من الذين لهم قدرة على حفظ بيت اللا زمة ، بمجرد أن ينطق به الشاعر ، كذلك يشترط فيها حسن الأداء وجمال الصوت ، فهم عبارة عن مجموعة صوتية ، تعيد البيت اللازمة بلحن هو نفس اللحن الدي يتباين بين شاعر وآخر ، ومع ملاحضة تفرد الطبيلة الوليدية - نسبة إلي بني وليد - التي تختص بنغمة مميزة صعبة التركيب والأداء ولايتقتها إلأ من مارسها كثيراً ، وتعرف هده النغمة
(( بالغبيني )) .
والطبيلة أوبيت الطق في الأصل قصيدة شعبية على اختلاف أغراضها ، يقولها الشاعر دون لحن او مصاحبة الصفرة والعود وبلا ردادة ، وفي هده الحالة تعرف باسم (( بيت أجواد )) ، وخاصة إدا كانت في الأغراض الاجتماعية ، أو الوصف أو في الحماسة والفخر .

ج - القسيم والموقف :
هدا اللون من الشعر الشعبي ، عبارة عن قصيدة دات وزن خاص ، ودون لازمه ، يقدمها الشاعر في الغالب وهو واقف ، عندما تبدأ حفلة العرس ، ولا ينضم هدا الوزن في جميع الأغراض ، وإنما يقصر على وصف الطبيعة ، أو مايعرف بربط العرس .
ومن امتلة هدا اللون للشاعر ميلاد المشاي :
(( علي أول يدي سميت باسم الله ... وثاني بدي صلوا علي الباشير ))
(( مبروك يا أهل العرس خشيناه ... عايـــــد وزايد بالهناء والخـير ))
(( عليكم ســـــــــلام الله سلمنــاه ... مــن قلب مصـــــفي يلا تغتير ))
وكما نلاحظ في البدء ، المضامين تخص افتتاح الحفل باسم الله واسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، كدلك تهنئة أهل العرس بفرحهم ، والدعاء لهم بالخير والهناء ، والسلام عليهم من قلب محب مخلص (صافي بلا تغتير) .
ويتطرق الشاعر بعد أن يكمل الاستفتاح باسم الله والصلاة على الرسول وتهنئة أهل العرس والسلام عليهم ، وإلي أغراض اخري أحياناً اخري تكون وصفية وأحيانا ً أخرى تكون التشبب ، وعادة مايربط العرس كما يقولون في آخر القسيم ، ثم بعد دلك يجلس الشاعر وأمامه الصفرة ومعه الرداده ، ويقدم بيت طق أو بيت طبيلة على ايقاع معين يختاره وهو يتساوق مع اللحن الدي أعده للقصيدة ، وهكدا يستمر إلي اخر الحفلة يقدم ألواناً عديدة من شعره الدي نضمه في أغراض مختلفة ، وفي أوزان متعددة تصحبه زغاريد النسوة الحاضرات في حفلة العرس ، وأحياناً تسمع طلقات البارود من الشباب والشيوخ على السواء استحساناً لبيت أو شطرة من الشعر أو تجاوباً مع زغاريد النساء ، حيث تعم الفرحة والابيتهاج طيلة الليلة ، ليلة العرس .

د - ضمة قشة :
هي لون آخر ، من ألوان الشعر الشعبي ، ينضم فيها كثيراً من الشعراء وخاصة في منطقتي الوسط والشرق ، وهي عادة ماتقدم في مناسبات الأفراح ، وخاصة حفلات الأعراس والطهور ، ولاتجد شاعراً مشهوراً من الدين يحبون أفراح البادية إلا وله نضم في هد اللون ، يقدمه ملحوناً بنغمة خاصة تبدأ برتابة معينة في بداية ضمة القشة ، حيث يعيدها الردادة عند قفله كل سرحة أو غصن ، ومن أمتلة قصيدة ضمة القشة للشاعر عبد السلام الحر مايلي :
(( قرون عازة فوق الجبين الضاوي_ركيب على منهل عطاش اوراوي))
فوق الجبين اولن ... غربة على غردة ارمال تغلن
عيونها عوادي في القلوب يعلن .. اموارق اديرن من حداك فجاوي
لها عقود فوق الدور وين يشلن .. كواوين خالطهن فليت رباوي
نلاحظ في الشكل الفني لقصيدة ضمة القشة أنها عن راس بيت للقصيدة المتعارف عليها يتكون من شطرتين متساويتين في الوزن الدي اعتاده الشعراء في أغلب قصائدهم ، ثم سرحة أوغصن أو بيت الزرع كما يقولون ، والسرحة أو الغصن عادة يتكون من ست شطرات ، الأولي منها متحدة القافية والرابعة تتحد قافيتها مع راس البيت والخامسة تتحد في القافية مع ثلاث الأولى والسادسة فتعود إالي رأس البيت في نفس القافية وتسمى القفلة ، وهناك من الشعراء من يجعل السرحة تتكون من أربع شطرات فقط ، بحيت تكون الشطرة الرابعة هي القفلة ، ويسمى هدا النضم من ضمة القشة ( المقطوف) ، ومن الشعراء من تطول عنده السرحة أو الغصن إلى ما يشاء ، وهدا دليل على قوة ملكة الشعر عنده ، وغزارة المفردات والسيطرة على القوافي ، وطول النفس الشعري ..

الله يبارك فيك