الصورة عندي هي عناصر الكادحين والمقهورين والمطحونين؛ لأنهم هم الذين
يدفعون كل شيء ثمناً لحياتهم، غلاء الاسعار ، الذود عن الوطن ، تحمل اخطاء
ذوي السلطة ،كل شيء لديهم صعب الحصول عليه، كل شيء قاس يحاصرهم ويقهرهم
لكنهم يناضلون من اجل حياتهم ويموتون في ريعان الشباب، في قبور بلا أكفان،
هم دائماً في موقع دفاع مستمر لكي تستمر بهم الحياة ، انا في الخندق معهم
أراقبهم وأحسُ نبضهم ودماءهم في عروقهم، ليس لي سلطة ان اوقف نزفهم أو
احمل عنهم ثقل همومهم لكن سلاحي هو التعبير عنهم بالكاريكاتير، وتلك أنبل
مهمة للكاريكاتير الملتزم . إنني أستمد حقيقتي من الفقراء الذين مات
أولادهم شهداء وما زالوا يقدمون الأضحيات من أجل فلسطين.
بدأت الرسم على جدران المخيمات وفي "النادي"، وبدأ الوعي السياسي أخذ
طريقه بين الناس في المخيم، كما ظهرت المظاهرات وساعدنا على ذلك تزامن
ثورة الجزائر في الخمسينات مع ثورة يوليو – تموز في مصر.
حددتُ مهمتي بأن ألتقط نفس الناس في "المخيم" و "الجنوب" وحتى في "النيل".
أعبّر عن ذاتي من خلال هؤلاء. أنا أداةٌ من أدوات هذا الشعب العظيم. رسومي
ليست للعرض، إنها لغة تعبيرية وأراهن على روحي لتوظيفها في سبيل قضيتي.
تعلمتُ الرسم في السجن، هناك سجناء يتعلمون ممارسة الأعمال اليدوية، أنا
تعلمت الرسم الكاريكاتيري، ، كنتُ أرسمُ على "حيطان" السجن، وتحضرني ذكرى
الشهيد غسان كنفاني الذي زارنا في "النادي" ورأى رسومي، أخذ بعضاً منها
ونشرها في مجلة الحرية، من خلال هذه البداية اندفعت بإحساس شامل بأهمية
الكاريكاتير، تناوبتُ على فترات السجن، بعدها فكرتُ بالالتجاء الى الخليج.
اشتغلت مزارعاً، وميكانيكياً، وكهربائياً .. وبقي الرسمُ هاجسي، التجأتُ
الى مجلة الطليعة في الكويت، وبدأت أشتغل من فرّاش الى رئيس تحرير مع
احترامي لكل رؤساء التحرير، كنا نطبع الكلمات ونصفُ الحروف ونكنس واستطعت
أن أحصل على مساحة من المجلة، عن الكاريكاتير الذي يحكي عن سعر "البندورة"
أعتبرهُ كاريكاتيراً سياسياً، كذلك تناول جانب أخلاقي أيضاً قضية سياسية،
إن الرسم الكاريكاتيري الجاد يريد إيماناً عند الفرد الذي يرسم.
أرسم لأصل فلسطين.
عندما خرجتُ من فلسطين وسكنّا في مخيم "عين الحلوة" كان هاجسي مع الزملاء
هو الرجوع الى فلسطين، كنا أطفالاً وذلك لم يمنعنا أن نفكر في قضيتنا
ونتوجس من أجلها ونفتش عن طرائق العودة.
إن أي فنان خارج بيته يموت. والفنان الذي لا يتواصل مع الناس لن يبلغ هدفه
مهما علا مجده. أنا رجل أحمل خيمتي على ظهري وعشيرتي هي الفقراء. حلمت
بحنظلة في الكويت ... وولدته هناك ... خفتُ أن "أتوه" أن تجرفني الأمواج
بعيداً عن مربط فرسي ... فلسطين...
حنظلة وفيٌّ لفلسطين ولن يسمح لي أن أكون غير ذلك، إنه نقطة عرق على جبيني تلسعني إذا ما جال بخاطري أن أجبن أو أتراجع.
متى سيرى الناس وجه حنظلة؟ عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما
يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته ومع ذلك يبقى التعب الأكبر
هو مواصلة المشوار بكل ما فيه من تناقضات وهموم، ، يبقى في الأعماق تعب
الوطن ذلك الوطن الذي يبشر به حنظلة بكثير من الأمل.
إنه شاهد العصر الذي لا يموت ... الشاهد الذي دخل الحياة عنوةً ... ولن
يغادرها أبداً ... إنه الشاهدُ الأسطورة، وهذه الشخصية غير قابلة للموت،
ولدت لتحيا وتحدت لتستمر.
حنظلة: هذا المخلوق الذي ابتدعته لن ينتهي من بعدي بالتأكيد، وربما لا أبالغ إذا قلت: إنني قد أستمر به بعد موتي[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة](( هذا المخلوق الذي أبتدعته " حنظلة " لن ينتهي من بعدي بالتأكيد ، وربما لا أبالغ إذا قلت أنني قد أستمر به بعد موتي )) ..!! , هذا ما قاله ناجي العلي قبل عقود من الزمن ونراه اليوم متجسداً أمامنا , وكأن أبا خالد أو بالأحرى أبا حنظلة كان يرى المستقبل وهو يرسم بدمه الواقع المؤلم لأمتنا أنذاك.
هو ناجي سليم حسين العلي
( 1937 - 29 اغسطس 1987م ) ، رسام كاريكاتير فلسطيني ، تميز بالنقد اللاذع
في رسومه ، ويعتبر من أهم الفنانين العرب ( في هذا المجال ). له أربعون
ألف رسم كاريكاتوري ، أطلق عليه النار شخص مجهول في لندن ( 22 يوليو عام
1987 م ) , وعلى أثرها دخل في غيبوبة إستمرت لخمسة أسابيع حتى قضى الله
أمراً كان مفعولاً وإنتقل الثائر المناضل إلى رحمته الله شهيداً.
ترك لنا ولداً فتياً بعمر الزهور , وُلِدَ رمزاً وإستمر منذ ولادته وحتى
اليوم رمزاً للواقع العربي , ورمزاً محركاً للذات والروح بما يحمله هذا
الفتى من آلام وأشجان وثورة وقوة وكبرياء وهامة عالية لا تنكسر ولا تطئطئ
الرأس.
يعتبر حنظلة
ابن ناجي العلي وتوقيعه الرمزي والفني لأعماله ، كما ظل رمزاً للهوية
الفلسطينية والتحدي حتى بعد إستشهاد ناجي العلي. ، ولقد إحتار المحللون
والنقاد والفنانون في تحليل شخصيته وتوضيح ماخفي منها خاصة عدم استدارته
ليرى وليراه المتلقي.
في هذه الشهادة يوضح ويعرف ناجي العلي حنظلة وعلاقاته النضالية والفنية به :
[size=21]- " ماذا لودب الوهن في ؟ , ماذا لو خالجني الإحساس
بالهزيمة والتراجع أو أغراني مجتمع الاستهلاك ؟ , حتى لو أردت فإنني لن
أستطيع ذلك فولدي حنظلة موجود في كل لوحة من لوحاتي يراقب ما أرسم. إنه
ذلك الرمز الصغير الذي أثار جدلا دون أن يدير وجهه. وإنني لن أستطيع ذلك
فرسومي لاتباع لأن حنظلة عنصر ثابت فيها , حاولوا أن يجعلوني رسام القبيلة
مع هذا النظام أو ذاك ضد ذاك ، ولكن كيف أقبل وحنظلة معي دائماً , إنه
قريب لا تتصور مدى قسوته , إنه يعلم ما بداخلي , وهو يراقب هذا الداخل كحد
السكين فإذا أردت أن أستريح لكزني ، وإذا فكرت في الرفاهية وحسابات البنوك
ذكرني بنفسي , بأصلي وبناسي وأهلي وشعبي , أستطيع أن أحتال على الرقباء
الرسميين ، فبعضهم لا يفهم المقصود من رسمي ، وأغلبهم لا يفهم الفن أصلاً
, ولكنني لاأستطيع أن أحتال على حنظلة لأنه ولدي ".
- " حملت بحنظلة في
الكويت سنة 1963وولدته هناك ، خفت أن أتيه ، أن تجرفني الأمواج بعيداً عن
مربط فرسي .. فلسطين .. أن تهزمني السيارات والثلاجات والمكيفات " ولكن "
ولد حنظلة أيقونة تحفظ روحي وتحفظني من الإنزلاق ، حنظلة وفيٌّ لفلسطين
وهو لن يسمح لي أن أكون غير ذلك , إنه نقطة عرق على جبيني تلسعني إذا
ماجال بخاطري أن أجبن أو أتراجع , هكذا بدأ حنظلة رمزا ذاتيا , ولكنه تحول
بعد ذلك إلى ضمير جماعي , إنه رقيب على أولئك الذين يساومون بما لا ينبغي
أن يعرض في المزادات والمناقصات بقضيتنا كلها وبمن استشهد من أجلها وبحقنا
في مستقبل قادم ... قادم ".
- " (
حنظلة شاهد وهو شاهد شاف كل حاجة)* ( شاف : رأى ) , إنه لا يستدير للقارئ ، ولكن القارئ الذي لا يفهم
مرارته هو الذي يستدير له , يقولون إن حنظلة سلبي ، دار ظهره وشبك يديه
ووقف يتفرج , إنهم لا يستطيعون أن يروا الدمعة المعلقة في عينيه والتي
تنتظر أرض الوطن كي تعود إلى حيث تنتمي ".
وأما عن
سبب تكتيف يديه فيقول ناجي العلي
: " كتفته بعد حرب أكتوبر 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع
شاملة ، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية
الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبعاً ".
وعندما سُئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب : "
عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة ، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته ".
"
أن شخصية حنظله كانت بمثابة الأيقونة ,
حفظت روحي من السقوط كلما شعرت بشيء من التكاسل , اأو بأنني أكاد إن أغفو
أو أهمل واجبي , اشعر بأن هذا الطفل كنقطة الماء على جبيني , يصحبني
ويدفعني الى الحرص ويحرسني من الخطأ والضياع , انه البوصلة بالنسبة لي ,
وهذه البوصلة تشير دائماً الى فلسطين ".
الأستاذة المهندسة / هناء الرملي مخرجة الفيلم
تقول : " (كان) فيلمي الوثائقي الأول (هو) " الأيقونة " لاطلق حنظلة من
جديد بعد عشرين عاماً من رحيل رسام الكاريكاتير ناجي العلي ، اطلقه واسلط
الضوء عليه بأن طفل ناجي العلي هو أيقونتنا وايقونة أجيال لم تعاصر ناجي
العلي بل عرفت حنظلة ، ولأن حنظلة هو طفل المخيم المهمش ، هو كل طفل محروم
على وجه الارض لم تطله العدالة الإنسانية لينال حقوقه ، كان لابد أن أقوم
بعمل موجه لهؤلاء يهبهم افاق اوسع في حياة يعيشوها محصورة بجدران المخيم
وازقتها ".
محتوى الفيلم : " شهادات من المجتمع حول حنظلة ورمزيته في الذات العربية.
لمن يريد مشاهدة الفلم فليتفضل