صالح الكيلاني الأطيوش
قائد دور قبيل ة المغاربة
بمنطقة إجدابيا
قال تعالى : ( مّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مّن قَضَىَ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدّلُواْ تَبْدِيلاً ) .
يسرني أن التقي مع الأخوة القراء والمهتمين بدراسة تاريخ حركة الجهاد مرة أخرى بإلقاء الضوء على تاريخنا المشرف والناصع الذي سطره أجدادنا بدمائهم وأنفسهم الزكية من خلال سيرة المجاهد الأطيوش قائد دور قبيلة المغاربة بإجدابيا .
لقد شهد الأعداء بشجاعة هذا المجاهد فقال عنه (رودلفو غراتيساني) : " وقد بذلت كل المحاولات لحمله على التقدم إلى الحكومة ولكي يقوم بهذه الطريقة بإعلان استسلامه ، ولكن كل هذا لا جدوى منه أمام عقليته التي لا تلين وغطرسته بوصفه زعيما ً متعصبا ً ومتعجرفا ً " .
نعم إنه مجاهد وزعيم لا يخاف في الحق لومة لائم ، ويتجلى ذلك برفضه الاستسلام للحكومة الإيطالية وتصميمه على الجهاد إلى آخر لحظة من حياته . لن استرسل كثيراً في هذه المقدمة لنترككم تتعرفون على هذه الشخصية من خلال الأسطر التالية .
ولد الأطيوش في مدينة إ جدابيا ، وهو من قبيلة المغاربة الرعيضات آل بوشيبه ، والده الكيلاني الأطيوش ووالدته حليمة ابنة أمحمد بن يوسف المغربي . و قد كان يكني المجاهد صالح بالأطيوش لأن جده يملك وهو صغير السن مهرًا صغيرا ً أطوش ، وعندما كان يأتي إلى تجمعات الفرسان يقولون ها قد أتى فارس الأطيوش تصغيرًا للمهر الأطوش .
كان الأطيوش في أواخر سنة 1911م شابا ً في مقتبل العمر يقوم بزيارة لمدنية بنغازي ، وتشاء الصدف أن يشاهد بداية الغزو الإيطالي ويصاب في أولى المعارك ضد الإيطاليين الغزاة إصابة أفقدته عينه اليمنى ، وعاد بعد المعركة إلى أهله وأخبرهم بنبأ الغزو الإيطالي واستبسال المجاهدين في الدفاع عن بنغازي .
ومند اللحظة الأولى للغزو الإيطالي تطوع الأطيوش في صفوف المجاهدين وأشترك في عدة معارك ضد القوات الإيطالية كان أهمها وأشهرها : معركة القرضابية الشهيرة ابريل 1915م ، ومعركة ب ئر بلال 10 يونيو 1923م ، ومعركة مرسى البريقة 11 يونيو 1923م والتي تعرف أيضاً باسم معركة ( الكراهب ) لكثرة ما استخدم فيها الإيطاليون من آليات وسيارات .
وقد كان الأطيوش من بين الزعماء الذين رفضوا سياسة التهادن مع العدو التي اتبعها إدريس السنوسي ، وقد أد ى هذا الرفض إلى حدوث خلاف شديد بينه وبين بعض من أفراد قبيلته، الأمر الذي دفعه لاستعمال العنف معهم واعتقالهم بسبب إصرارهم على إقناعه بتأييد هذه الاتفاقيات التي لا تخلو من مكيدة مدبرة لتشتيت جهود المجاهدين . كما كان لاستمرار الأطيوش ورفضه المستمر للتفاوض مع الإيطاليين ، وإصراره على مواصلة الجهاد سبباً في إثارة حفيظة إدريس السنوسي ، الذي أخذ يدبر لعزله عن قيادة دور المغاربة وتعيين بديل له ، واخت ي ر لذلك المجاهد قجه عبدالله التشادي ، وقد وصل هذا الأخير ومن معه إلى دور قبيلة المغاربة يحمل رسالة تقضي بتنحية الأ طيوش وبتولي ت ه قيادة الدور .
غير أن كبار المجاهدين عقدوا اجتماعاً أكدوا فيه أن الأ طيوش لم يكن معيناً في قيادة الجهاد في هذه المنطقة من قبل أحد وإنما أولته الثقة قبيلته ، ومن ثم تقرر عدم الاستجابة لهذا الأمر وطلبوا من المجاهد قجة عبدالله التشادي أن يعود من حيث أتى .
مشاركته في مؤتمر سرت 21 يناير 1922م :
بدأ العدو الإيطالي في استئناف العمليات العسكرية ضد قوات المجاهدين بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وخروج إيطاليا منتصرة منها ، والتي أخذت في التنصل من الوعود التي قطعتها على نفسها بعد الاتفاقيات التي وقعتها مع زعماء حركة الجهاد في كل من برقة وطرابلس أثناء الحرب العالمية من أجل تخفيف الضغط على قواتها والتقليل من مصروفاتها لانشغالها بالمعارك الدائرة في أوروبا ، وكانت هذه من ضمن سياسة كسب الوقت التي استخدمتها إيطاليا بنجاح .
ونظراً لشعور المجاهدين بخطر القوات الإيطالية التي تعافت بعد خروجها منتصرة من الحرب قرروا العمل على توحيد الصفوف بين شطري ليبيا وتضييع الفرصة على الإيطاليين بالإنفراد بقوات المجاهدين ، واتفقوا على عقد مؤتمر سرت يناير 1922م .
ونظراً لمواقف الأ طيوش الوطنية والشجاعة ورفضه المصالحة مع العدو الإيطالي تم اختياره رئيساً ل وفد المنطقة الشرقية وعضوية كل من : الشيخ نصر الأعمى والشيخ خالد القيصة والشيخ صالح السنوسي و عبد الهادي البراني . أما وفد المنطقة الغربية فقد مثله كلاً من : عمر بو دبوس ، محمد نوري السعداوي ، الشتيوي ابن سالم ، الصويعي الخيتوني ، والحاج صالح بن سلطان ، و أحمد السويحلي . وكان أهم ما جاء في هذا المؤتمر ما يلي : توحيد كلمة المجاهدين ضد الإيطاليين ، ووضع البلاد تحت قيادة أمير مسلم تكون له السلطة الدينية والمدنية داخل دستور ترضاه الأمة وقد تم اختيار إدريس السنوسي ليكون أميراً على طرابلس وبرقة .
وقرر الزعماء بالمنطقة الغربية إرسال وفد يحمل نص البيعة القاضي بتنصيب إدريس السنوسي أميراً على إقليمي طرابلس الغرب وبرقة في 12 نوفمبر من عام 1922م من أجل البدء في توحيد الجهود وتطبيق ما جاء في المؤتمر . غير أن إدريس السنوسي لم يلتزم بما تم الاتفاق عليه في مؤتمر سرت ، وخاصة فيما يتعلق بتقديم يد العون للمجاهدين في المنطقة الغربية في حالة تعرضهم للهجوم من قبل القوات الإيطالية ، وظل على موقف الحياد وهادن الإيطاليين ، على ال رغم من مبايعة الليبيين له وإعطائه الإمارة في نوفمبر 1922م ، كما أشرنا فإنه تخلى عن البلاد بعد إعلان (بينيتو موسوليني) استئناف العمليات العسكرية في ليبيا وإعادة احتلالها ، وإلغاء كافة الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومات الإيطالية السابقة مع المجاهدين في ليبيا ، و قرر ا لا نسح ا ب في أواخر ديسمبر 1922م من إجدابيا عن طريق الواحات جالو وأوجلة متجهاً إلى مصر ، حيث وصلها في أول يناير 1923م ، بحجة العلاج حاملاً معه معظم الأموال التي ثم جمعها من أجل الاستمرار في مقاومة الإيطاليين ، وقام بتعيين أخاه محمد الرضا السنوسي خلفاً له ، والشيخ عمر المختار قائداًَ لمنطقة الجبل الأخضر ، وأسند قيادة المنطقة الغربية إلى السيد صفي الدين السنوسي الذي توجه قاصداً مصراتة أواخر عام 1922م ليشرف على قيادة المنطقة الغربية ، ولم يصل إلى هناك بسبب احتلال الإيطاليين لها ، وعين الأطيوش زعيماً وقائداً لمنطقة برقة الغربية ، والمجاهد قجة عبدالله التشادي قائداً لمنطق ة برقة الوسطى .
وبخروج إدريس السنوسي وسفره إلى خارج البلاد انتهت صلته ب الأحداث السياسية في ليبيا خلال مرحلة الجهاد والتي دخلت مرحلة جديدة بتولي الشيخ عمر المختار قيادة حركة الجهاد ضد القوات الإيطالية ، والذي قام بدوره بتنظيم حركة الجهاد التي استمرت حتى عام 1932م تقاوم الإيطاليين المحتلين ، ورفضت الاستسلام والمهادنة وكان مبدأها في ذلك النصر أو الشهادة .
وبعد أن تمكنت القوات الإيطالية من هزيمة قوات المجاهدين وإعلان سيطرتها على المنطقة الغربية اتجهت النية إلى القضاء على قوات المجاهدين بقيادة الأطيوش في المنطقة الواقعة ما بين النوفلية وإجدابيا ، وللقيام بذلك قررت الحكومة الإيطالية في أوائل عام 1928م تنفيذ خطتها التي تقضي بتحرك الجنرال (رودلفو غراتسياني) على طول الطريق المتجهة من سرت إلى النوفلية والمردوم والوادي الفارغ ، وفي الوقت نفسه يتحرك كل من الضابط (ميدزيتي) والضابط (ماليتي) من برقة بجنودهما باتجاه المنطقة المحصورة بين إجدابيا والعقيلة لمنع قوات المجاهدين من المسارعة إلى نجدة إخوانهم من قبيلة المغاربة بقيادة الاطيوش ، وفي الوقت نفسه هناك رتل ثالث يقوده العقيد ( بينتر ) يتحرك على طريق الجفرة هدفه أبونجيم كخط نهائي ، وفي المدة بين 3 – 12 يناير 1928م تمكنت القوات الإيطالية من الوصول إلى جميع الأهداف التي سبق تحديدها ، ولأول مرة تم وصل ولاية طرابلس الغرب عبر البر بولاية برقة ، غير أن الهدف الرئيسي ألا وهو القضاء على قوات المجاهدين بقيادة الأطيوش ، ووضعهم بين فكي كماشة القوات الإيطالية لم يتحقق وفشل القائد ( دي بونو) في تحقيق ذلك .
انسحابه باتجاه جبال الهاروج :
علم الاطيوش بتحركات القوات الإيطالية فغادر مقره باتجاه منطقة النوفلية صباح يوم 6 يناير برفقة أفراد قبيلته جميعاً واتجه بهم على طريق القوافل الرابطة بين منطق تي النوفلية ومنطقة (الجيفة) بالقرب من سرت بنية الوصول إلى ملج أ في منطقة ( جبال الهاروج ) إلا أنه لم يقطع الجزء الأول من الطريق حتى أعترضتهم سبع طائرات ( كاربوني 73 و رأو 71 ) وقامت بقصفهم بمتفجرات مشحونة بغاز الفوسجين ( Fosgene ) السام . كما قامت القوات الإيطالية بقيادة العقيد (ماريوتي) بملاحق تهم واصطدمت معه م في 25 مارس 1928م ، و على الرغم من المقاومة التي أبداها المجاهدون إلا أنهم انسحبوا أمام تفوق القوات الإيطالية باتجاه منطقة مراده ومنها إلى منطقة (جبال الهاروج) بعد احتلال الإيطالي ين لمنطقة تاقرفت وتهديدهم من الجهة الجنوبية .
ويصف الجنرال ( رودلفو غراسياني ) هذه العمليات ضد قبيلة المغاربة بقيادة الأطيوش في المنطقة الممتدة من سرت إلى إجدابيا في تصريح له في عام 1928م بقوله : " كانت ضرورة دفع قواتنا لاحتلال المناطق الجنوبية تفرض علينا أن نجد قبل كل شيء حلاً لمسألة المنطقة الشرقية الممتدة من سرت إلى إ جدابيا ، فقد كانت تسكن فيها عشائر المغاربة التي لم تخضع قط لحكمنا منذ 1911م حتى الآن (سنة 1928م) والتي كانت على العكس من ذل ك ، قد أنزلت بنا أضرارًا في حوادث مؤلمة وغارات ، ولقد كان زعيمها الرئيسي هو صالح الأطيوش ، وقد بذلت كل المحاولات لحمله على التقدم إلى الحكومة ولكي يقوم بهذه الطريقة بإعلان استسلامه ، ولكن كل هذا لا جدوى منه أمام عقليته التي لا تلين وغطرسته بوصفه زعيما ً متعصبا ً ومتعجرفا ً " .
انسحابه إلى واحة تازربو :
بعد انسحاب الأطيوش إلى منطقة ( جبال الهاروج ) و اتخذ ها قاعدة هامة له طوال سنة 1929م يهاجم من ها خلالها القوافل العسكرية الإيطالية المنتشرة في الصحراء ، ثم انتقل ومن معه من جبال الهاروج إلى واحة تازربو التي تبعد حوالي 250 كيلو متر شمال غرب واحة الكفرة ، وخلال أقامته فيها قام بالتعاون مع المجاهد عبدالجليل سيف النصر بعدة عمليات هاجم فيها القوات الإيطالية المتواجدة في مناطق برقة الجنوبية من أجل التخفيف على قوات المجاهدين في منطقة الجبل الأخضر بقيادة الشيخ عمر المختار ، ونتيجة لهذه الغارات التي كان يقوم بها المجاهدون انطلاقاً من واحة تازربو قررت الحكومة الإيطالية توجيه حملة عسكرية باتجاه واحة تازربو والقضاء على قوات المجاهدين الذين لجأوا إليها .
وبالفعل قامت أربع طائرات إيطالية من طراز ( رو) بقيادة المقدم ( روبيرتو لوردي) في 31 يوليو 1930م بقصف الواحة بعشرات القنابل استخدمت فيها الغازات السامة مما تسبب في إحداث خسائر كبيرة بين الأهالي وتدمير مساكنهم .
انسحابه إلى واحة الكفرة :
عقب الغارات التي شنتها الطائرات الإيطالية على واحة تازربو انسحب ا لأ طيوش باتجاه واحة الكفرة صحبة المجاهد عبدالجليل سيف النصر عاقدين العزم على مواصلة قتال القوات الإيطالية وعدم الاستسلام لها . وبعد انسحاب أغلب قوات المجاهدين إلى واحة الكفرة وقبل أن تزداد قوتهم قررت الحكومة الإيطالية القيام بحملة عسكرية ل لقضاء على هذه القوات ويؤكد ذلك الخطاب الذي أرسله المشير ( بادليو) إلى ( دي بونو) ي علمه بأن : " الكفرة صارت تتحول إلى مركز تجمع لجميع الليبيين الخارجين علينا ... ، وكلما تأخر احتلالنا لها صارت الحالة فيها أشد خطراً إنني أوجه إلى سعادتكم دعوة حية علكم تصرون على رئيس الحكومة ليخصص المبالغ اللازمة لعملية الاحتلال ".
وفي أثناء انتظار تخصيص الأموال ، أمر الجنرال (ردلفو غرتسياني ) سلاح الجو بقصف واحة الكفرة ، وتنفيذا لهذه الأوامر قامت في 26 أغسطس 1930م أربع طائرات من طراز (رو) بشن الغارات الجوية على واحة الكفرة والمناطق المحيطة بها وتم قصف منطق تي الجوف والتاج ، مما تسبب في ت دمير الكثير من المنازل ، و أحدث الرعب في قلوب السكان العزل .
وفي سبتمبر 1930 منح ( بينيتو موسـوليني ) الإذن بالقيام بالحملة الإيطالية على واحة الكفرة فشرع على الفور في الاستعداد للحملة وفي المقابل كانت قوات المجاهدين تستعد لمواجهة هذه الحملة ، وحاول شمس الدين علي الخطابي المسؤول على واحة الكفرة في تلك الفترة معارضة الوقوف في وجه القوات الإيطالية ورغب في التفاوض معها غير أن باقي المجاهدين وعلى رأسهم الاطيوش ، والمجاهد عبدالحميد أبو مطاري قائد قبيلة الزوية ، وحمد أبو شعيب و المجاهد عبدالجليل سيف النصر عارضوه في ذلك فقرر الهجرة إلى مصر برفقة جميع أتباعه ، أما بقية المجاهدين فقد أخذوا في الاستعداد لمقاومة القوات الإيطالية الزاحفة باتجاههم مقمين الحواجز على الطرق المؤدية لواحة الكفرة .
وقد وصلت القوات الإيطالية إلى واحة تازربو في أوائل يناير 1931م ، ولحق بها جواً الجنرال (ردلفو غراتسياني) الذي أسندت إليه القيادة العامة للحملة ، وكانت أولى المعارك في هذه الحملة وأهمها هي معركة الهواري التي جرت يوم 19 يناير 1931م ، وبعد انتهاء ال معركة أمر الجنرال (ردلفو غرتسياني) ب أ ن يقوم سلاح الجو بقصف قوافل المجاهدين المنسحبة من واحة الكفرة والواحات المجاورة لها باتجاه حدود الدول المجاورة .
وقد تمكنت الطائرات من إرشاد الفرق الإيطالية إلى أماكن تواجد قوافل المجاهدين المنسحبة باتجاه حدود الدول المجاورة في الصحراء ، وقامت هذه الفرق ب اللاحق بهذه القوافل و أسر عائلات المجاهدين من الأطفال والنساء ، كما قامت الطائرات بقصف أكبر قوافل المجاهدين المنسحبة وهي بالقرب من الحدود المصرية بالقنابل وأطلقت عليها نيران رشاشاتها الأمر الذي أدى إلى تفكيك صفوفها ، وإثارة الفوضى والذعر في نفوس المجاهدين وعائلاتهم، ويصف أحد الجنود الإيطاليين حالة المجاهدين بعد القصف الذي تعرضوا له بقوله : " أن الانسحاب تحول إلى كارثة وأن الجثث كانت تغطي المنطقة المجاورة لمعطن بشارة " .
وفي الأخير وعلى الرغم من المقاومة التي أبداها المجاهدون استطاعت القوات الإيطالية من احتلال واحة الكفرة ، وقد استشهد في معركة الدفاع عن ها الكثير من المجاهدين كان على رأسهم المجاهد الكبير عبدالحميد أبو مطاري زعيم قبلية الزوية .
وقد اعترف الجنرال (رودلفو غرتسياني) بقوة المقاومة التي أبداها المجاهدون بقوله : " إن قوات الثوار تحت قيادة رجال مهمين من أمثال صالح الاطيوش وعبد الجليل سيف النصر وحمود بن شغيلي وحمد بن شريف وعبد الحميد أ بومطاري الذين قا ب لوا قوتنا الكبيرة بكل عددها وعدتها من طائرات ودبابات وأنها معركة غير متكافئة ، ورغم هذا كله كانوا أشداء أقوياء صامدين صابرين لا يتقهقرون أبداً حتى ولو أدى ذلك لفنائهم جميعاً مؤمنين بأنهم أصحاب حق وشجاعة " .
و بعد احتلال الإيطالي ي ن ل منطقة التاج ، قام المشير (بادليو) في 2 4 فبراير 1931م برفع العلم الإيطالي على قارة التاج كرمز وتأكيد للاحتلال الإيطالي النهائي لآ خر معقل للقوات المجاهدين في الواحات الجنوبية .
هجرته إلى مصر :
أدرك الأطيوش ومن بقى معه من المجاهدين بعد احتلال القوات الإيطالية لواحة الكفرة والواحات المجاورة لها وأحكام السيطرة عليها أن مقاومة الإيطاليين لم تعد ممكنة لعدم توفر الامكان ي ات ، ف قرر الهجرة إلى مصر ، والانسحاب جنوبا ً باتجاه جبال العوينات لتكون آخر معقل للمجاهدين ومنجاة لعائلاتهم من الهلاك المحقق ، ومن هناك بدأت الرحلة الشاقة إلى منطقة مرقه وت ا هت القافلة في الصحراء ، فأمر المجاهد الاطيوش القافلة بالتوقف والعودة إلى جبال العوينات ، وقفلت عائدة تسير ليلاً ونهارا ً ، وتوفى أثناء ذلك العديد من أفراد ها من شدة العطش والإعياء ووصلت أخيراً إلى جبال العوينات .
ويصف ا لأ طيوش تلك المعاناة بقوله : " ... كنا ندبح القليل من الإبل التي بقيت لنا لنستخلص من مثاناتها القليل من السائل الذي نوزعه على من هم أشد عطشاً لإنقاذهم من موت محقق وقضى منا 170 فرداً نحبه عطشاً ، وكان الناجون سيموتون حتماً لو لم تسعفنا العناية الإلهية بهدايتنا إلى بقعة وجدنا فيها كيساً من الدقيق وآخر من السكر والشاي ... ".
و سلكت القافلة بعد أن عادت إلى جبال العوينات مرة أخرى طريق القوافل المتجهة إلى مصر واستطاعت هذه المرة الوصول بسلام إلى مصر ، وقد قامت دورية من القوات البريطانية بتجريد المجاهدين من أسلحتهم ، وتوجهت بهم إلى نقطة حدود أبو منقار ومنها تم ترحيلهم إلى منطقة وادي النيل حيث استقروا في محافظة المنيا في صعيد مصر .
و قد عاش الأطيوش ومن معه في الغربة ثلاثة عشر عاماً ، وعندما قامت الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945م) التحق المجاهد ا لأ طيوش مع ال كثير من الليبيين المهاجرين وانضموا إلى ال جيش الليبي الذي أشرفت عليه الحكومة البريطانية من أجل المساهمة معها في الحرب ضد القوات الإيطالية والألمانية في ليبيا ، وبعد انتهاء الحرب بالنسبة لليبيا عام 1943م عاد المجاهد ا لأ طيوش إلى ليبيا وعاش حوالي أربع سنوات ، حتى عام 1948م حيث وافته المنية عن عمر يناهز السبعين عاماً ودفن في مقبرة سيدى حسن بمدينة إ جدابيا التي ولد بها . رحم الله ا لأ طيوش .
ولا يسعني إلا أن أقول إن ا لأ طيوش من المجاهدين العظام الذين ساهموا في الذود عن حياض المسلمين و لقد شهد له عدوه الجنرال (ردلفو غراسياني ) بشدة مراسه ، فله منا الدعاء بالمغفرة والرحمة والرضوان له ولجميع إخوانه الذين سطروا لنا صفحات من البطولة والرجولة للذود عن وطننا و ديننا العظيم ين ، وندعوا الله عز وجل أن يجعل هؤلاء الأبطال نبراساً لأجيالنا والأجيال القادمة ، لمزيد من حب الوطن والتضحية في سبيله .
الأحد ديسمبر 15, 2019 10:18 am من طرف عاطف0
