الاسد الجريح شيخ البدو
عدد الرسائل : 6976 العمر : 43 العمل/الترفيه : الشعر المزاج : حلو رقم العضويه : 1204 نقاط : 67032 تاريخ التسجيل : 13/09/2009
| موضوع: حكاية زوج مديرة الأربعاء يناير 06, 2010 8:14 pm | |
| حكاية زوج مديرة*
منذ أن أصبحت زوجته مديرة بدأ يشعر أنه رجل مهم، عدد من الأصدقاء هنأوه بعملها ومنصبها والابتسامات ترتسم على شفاههم، فكأنما يقولون: كم أنت محظوظ! كان يعرف هذه اللغة غير اللفظية، ويدرك أن من سعادة المرء في زماننا أن يرزق من حليلته، لا سيما إذا كانت من طينته (كما يقول بديع الزمان الهمذاني).
فرح طبعا لاهتمام زملائه، وخالجه شعور بالزهو، فزوجته ليست بعد اليوم قعيدة البيت وحبيسة الجدران، وهي تتفاعل مع المجتمع، وتخرج كل صباح لعمل مكتبي شاق لكنه لذيذ، وتوسع دائرة علاقاتها بما يخدم مكانتها الاجتماعية، ويعود بالنفع على زوجها الحبيب أيضا. فرح لأنه شعر بأن العمل سيثري تجربتها الحياتية، ويوسع آفاقها المعرفية، ويجعلها شخصية مثيرة للاهتمام. فرح أيضا لأنها لن تطالبه بعد اليوم بسداد فاتورة جوالها الأنيق، ولن تلح عليه في طلب شراء ملابس جديدة، وستقوم بالوفاء ببعض احتياجات المنزل، وفواتيره التي لا تنتهي.
لكنها فرحة ما تمت. أو فرحة أعقبتها ترحة، حبيبته لم تعد له وحده، لقد شغلتها الدنيا عنه. أخذتها زميلاتها، واتصالاتها بهن، كما أخذها العمل بهمومه ومعاناته، بتفاصيله اليومية، بحلوه ومره، بإنجازاته وإخفاقاته، بمنافعه وتحدياته. عادة ما يصل البيت قبلها، وتتأخر هي لكونها مديرة وإنسانة غير عادية، فلا تأتي إلا قبيل أذان العصر. مع ذلك كان ينتظرها على الغداء. لقد دار الزمان دورته، وانقلب التاريخ، فقد كانت هي من تنتظره على أحر من الجمر بابتسامة مشرقة تنسيه التعب، وترسم في عيونه البهجة، وتثير في أعماقه الإحساس العميق بالرجولة. أما الآن، فهو من ينتظر. وهكذا..
هي الأمور كما شاهدتها دول **** من سره زمن ساءته أزمان
. أحيانا تتسمر عيناه على الباب، أو يهاتفها متسائلا: متى تشرّفين يا حبيبتي؟ ربما كان من فوائد هذا الانقلاب في حياته أنه أدرك كم هو مضن أن ينتظر الإنسان حبيبه و"عصافير بطنه" تصيح من الجوع.
حبيبته تصل أخيرا. يهم باستقبالها وإهدائها وردة منعشة من حديقة بيتهما الصغيرة، يسألها طفله ببراءته اللذيذة: ليش تأخرت ماما؟ طبعا هو يكرر هذا السؤال دائما بمناسبة وبغير مناسبة. لكنه ينطق بما يريد الأب قوله. أليس الابن سر أبيه؟ نظر بشوق إلى عيني زوجته المتعبة من التحديق في الأوراق ووجوه المراجعات.
سهرُ الشوق في العيون الجميلهْ **** حُلُمٌ آثرَ الهوى أنْ يطيلَهْ وحديثٌ في الحبِّ إنْ لمْ نقلْه **** أوشكَ الصمتُ حولنا أنْ يقولَه
لكن، هذا ليس وقت الشوق، الغداء يكاد يبرد. وهنا تستأذن حبيبته بأدب: أنا تعبانة ممكن أنام شوي، ونتغدى بعد العصر؟ يقول بملء فيه: لا، الآن الآن، وليس غدا. فتهمس بكثير من التهذيب: من عيوني. يتناولان معا طعام الغداء، بينما تروي له بشيء من الحماس أبرز ما حدث اليوم مع الموظفات والمراجعات. كان يشعر بالسعادة وهي توحي له بقدراتها الإدارية، ونجاحها في توجيه الموظفات، وتيسير أمور المراجعات. لم تكن زوجته حاصلة على شهادة أكاديمية في الإدارة, لكنها لفتت نظره بدقتها ومتابعتها لشؤون إدارتها وضبطها لموظفاتها في الوقت الذي تتعامل فيه معهن بحس ديموقراطي رفيع. في الأيام الأخيرة لاحظ أنها تقرأ كتبا في (الموارد البشرية) وتسأل عمها (وهو إداري ناجح) عن قضايا ذات صلة بعملها. كثيرا ما تروي له قصة صراع دام يدور بينها وبين منافسة شرسة لها تشبه ما يعرف بمعارك (كسر العظم), فإما أن تنتصر وإما أن تهزم بالضربة القاضية, وكان كثيرا ما يتحمس لبطولاتها في المواجهة, كما كان يخشى عليها من عواقبها.
قالت له وهما على الغداء: لقد رشحت لدورة إدارية متقدمة، وسيزيد نجاحي فيها فرص ترقيتي، كما سأكافأ ماليا عند إتمامها. فرح للأمر، وإن كان في الحلق غصة، وفي القلب شجا. لكنها إذ تتناول الغداء كانت تأكل بسرعة، ولا تمضغ جيدا. والسبب أنها مشغولة الذهن بما هو أهم من الأكل. إنها تريد أن تصلي العصر، ثم تأخذ قسطا من النوم. همس لها معاتبا: لم تهنئيني بصدور كتابي الجديد, فتبتسم قائلة: كان في بالي والله. كنت أريد أن أسألك، بس أنسانيه الشيطان. تمتم في نفسه: لكن "المنسي ما فيه خير" كما كان يقول جدي (رحمه الله).. لم تكوني تنسين أشياء أقل أهمية من الكتاب، فما هو ذا العِلق الذي امتصك وسلب لبك؟
بعد نصف ساعة تقريبا تصحو من قيلولتها المتأخرة، وتنهمك في إجراء مكالمات "مهمة" ليست سوى امتداد لمهام العمل وتبعاته, وربما تلقت مكالمة من موظفة تستأذن في التأخر أو التغيب في الغد. بعد انتهاء المكالمات قد تقبل عليه وفي يدها بضعة أوراق، وعلى شفتيها ابتسامة صادقة، ثم تهمس قائلة: حبيبي، لدي تقرير عن إنجازات إدارتي، وأطمع في أن تساعدني على كتابته. يتساءل: أليس من حقنا أن نحتسي شيئا من الشاي ونتحدث بعيدا عن قضايا العمل..؟ ترد بابتسامة لا تخلو من خبث: أبشر.
ويرخي الليل سدوله، ويخلو كل حبيب بحبيبه، ويعتصر العشاق لحظات الوصال، لكن حبيبته تتثاءب، ويغزو الكرى عينيها الجميلتين، فلا تستطيع حتى أن تراه. يسألها: ما الخطب؟ فتسكت، لأنها لا تستطيع الرد من شدة النعاس. فيعيد السؤال محتدا، فتجيب: آسفة يا حبيبي، لكن النوم ذبحني. وهنا يستسلم للواقع، وينصرف إلى قراءة صحيفة أو كتاب. وعندما تراه منهمكا في القراءة تقول بتهذيب مصطنع: أجل تصبح على خير.
لماذا؟ هي تعرف أن الصباح سيكون جميلا متوردا لو ضمهما اللقاء معا، لو تسامرا معا، لو تجاذبا أطراف الحديث تحت الأضواء الخافتة. لكنها ربما نسيت مرة أخرى، والمنسي ما فيه خير- كما قال جده.
ذات مساء اتصل به أحد الأصدقاء قائلا: أريد أن أبحث لزوجتي عن عمل. سأله: لماذا؟ أجاب: "أنت عارف البير وغطاه". سأله: ولماذا أنا الذي يبحث لها عن عمل؟ أجاب: لأن زوجتك, ما شاء الله, ليست موظفة فقط، بل مديرة أيضا. هتف متأثرا:"يا دي المديرة!" وماذا يعني زوج مديرة؟ يا أخي خذ وظيفتها، وأعدها إلي. لتذهب وظيفتها إلى الجحيم. ما جدوى وظيفة جعلتني زوجا مع وقف التنفيذ. لقد استغرقها العمل، واستوطن قلبها، فلم يعد فيه متسع لحب الزوج والشوق إليه. آه يا زوجتي المديرة، لو تعلمين كم أنت جميلة بلا زميلات ولا مراجعات ولا معارك (لنا الصدر دون العالمين أو القبر). هذا فؤادي فامتلكي أمره. أديريه إن كنت ناجحة حقا. لا تجعلي الناس ينظرون إلي يوما من طرف خفي، ويغمزون: "مسكين، زوج مديرة". | |
|
سندريلا شيخ البدو
عدد الرسائل : 3059 العمر : 52 العمل/الترفيه : القراءة والسفر المزاج : رايــــــــق رقم العضويه : 418 نقاط : 62656 تاريخ التسجيل : 12/03/2009
الاضافات ورقه شخصيه : 1 معلومات العضو : 2
| موضوع: رد: حكاية زوج مديرة الخميس يناير 07, 2010 7:41 pm | |
| | |
|
الاسد الجريح شيخ البدو
عدد الرسائل : 6976 العمر : 43 العمل/الترفيه : الشعر المزاج : حلو رقم العضويه : 1204 نقاط : 67032 تاريخ التسجيل : 13/09/2009
| موضوع: رد: حكاية زوج مديرة الجمعة يناير 08, 2010 5:23 pm | |
| | |
|