الشيخ عبد السلام الأسمر

صفحات عن حياة الشيخ عبد السلام الأسمر بن سليم الحازمي الفيتوري الحسني

ولد الشيخ عبد السلام الأسمر في ليلة الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول سنة 880هـ الموافق 1475 ميلادية ، بمدينة " زليتن " إحدى مدن الجماهيرية الليبية.

نسبه من أبيه

هو عبد السلام بن سليم بن محمد بن سالم بن حميده بن عمران بن محيا بن سليمان بن سالم بن خليفه بن عبد الله بن عمران بن أحمد بن عبد الله الشهير بنيل المقبور بمكة بن عبدالعزيز بن عبد القادر بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن ادريس الأصغر بن ادريس الأكبر بن عبد الله بن الحسن المتي بن الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب وابن سيدتنا فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

الوالد " سليم " والد الشيخ عبد السلام الأسمر كان رجلاً أميناً لا يعرف من القراءة و الكتابة شيئاً ، إلا انه كان ذا تقوى و صلاح يصوم النهار، ويقوم الليل، وله كرامات ظاهرة وسيرة عطرة ، موهوباً يغوص في معاني الكتاب العزيز و السنة المطهرة ويفرغ ذلك في عبارات بليغة جزلة وألفاظ فصيحة، وكان يصغي لقراءة القرآن الكريم ، فيرد الغالط عن خطئه و يشير إليه بالصمت و السكوت ...

نسبه من أمه

هو ابن سليمة التي اشتهرت بعبادتها لولادتها في ليلة عيد الفطر المبارك .. ابنة العالم الجليل والشيخ الوقور عبد الرحمان الدرعي " من بلاد المغرب الأقصى " ابن عبد الواحد بن عبد القادر بن عبد العزيز بن علي بن سعد بن محمد بن الشيخ الفاضل المشهور عبد السلام بن مشيش الذي يرتقي عمود نسبه إلى الحسن السبط بن علي بن ابي طاب وفاطمة الزهراء ابنة رسول الله صلّى الله عليه و سلم ، فهو قد فاز من الجانبين فكان حسنياً من الطرفين.

الوالدة كانت امراة فاضلة جليلة برة تقية، تضرب بسهم وافر في العبادة و الصوم و الزهد، ولم تنسى نصيبها من كتاب ربها و كلامه، فكانت تقوم بقراءة جزء من هذا الكتاب و حفظه ...

قصة زواج الوالدين

عندما بلغت والدة الشيخ عبد السلام الأسمر مبلغ الزواج تقدم الناس لخطبتها والتماس عقد الزواج بها باذلين المال الكثير و المهر الوفير، فكان أبوها يرفض ذلك كلّه و يأبى أن يزوجها لهم و لو بذلوا له وزنها من الياقوت و الذهب، وكأنما يستشعر أن زواج ابنته مستقره " طرابلس الغرب " ، وعندما أذن الله بإلتقاء الوالدين في رحاب المودة وكنف الرحمة، تحرك ركب الزوجة صحبة والدها نحو طرابلس ، واستقر ركب الزوج، وكانت بلدة عوسجة " ببلدة الزاوية الغربية " هي نقطة التقاء الزوجين التي تم فيها عقد القران.
وكانت " الزاوية الغربية " هي البلدة التي تم فيها الزواج و المقابلة بين العروسين اللذان لم ينجبا سوى الشيخ عبد السلام الأسمر.

وفاة والده

تاريخ ميلاد الوالدين وزمن زواجهما ووفاتهما لم يعثر عليه ، وعلى حسب الإقتباس من تاريخ ميلاد الابن ( كان عمره سنتان و شهران عند وفاة واله ) يكون تاريخ الوفاة للوالد 883هـ، الموافق 1477 ميلادي.

وأما مكان وفاتهما و ضريحهما فهو " زليتن " ، التي تقع شرق مدينة طرابلس، وتبعد عنها بمقدار 150 كم تقريبا، وغرب مدينة مصراته، وضريح الوالد يقع شمال الطرق الساحلي، وقد اقيم بجوار ضريحه مسجداً على الطراز الحديث و ذلك من أوقاف ابنه الشيخ عبد السلام الاسمر، وافتتح المسجد يوم 24/5/1991 ف، ومقامه مشهور لدى الجميع.
أما قبر والدته فيقع جنوب مقام الوالد " سليم " وعلى مسافة قريبة منه.

نشأته و تربيته

لم تمهل متعة الحياة سليماً، والد الشيخ عبد السلام الأسمر بعد مولد ابنه، فلم يلبث طويلاً حتى نشبته المنية باظفارها، وفارق الحياة تاركاً وراءه طفلاً كما أسلفت يبلغ من العمر سنتين و شهرين، وأمه الأرملة الضعيفة في رعاية الله و كنفه، فنشأ ذلك الطفل يتيماً محروماً من عطف الأبوة و حنانها، مستعيناً بالله الذي أنشأه و كوّنه، وهكذا تصنع الظروف الصعبة وأجواء اليتم الرجال و النبغاء.
المرحلة الأولى ...

ذهب به أحمد العباس العم الجليل إلى دور العلم و الكتاتيب فانتظم في سلك الطلبة لحفظ القرآن الكريم، فأجاد حفظه عن ظهر قلب في سن مبكرة عن عمره، إذ كان عمره إذ ذاك لم يتجاوز سبع سنوات، و مهر في أدائه ورسمه على أعلى وجه و اجمله، وبالرغم من قوة حفظه للقرآن الكريم و توقد ذاكرته كان لا يتلوه إلا من المصحف، تلك تُعد الخطوة الأولى في حياة الشيخ عبد السلام الأسمر الروحية و التربية في السير إلى حقل العلم و المعرفة و تنوير النفس بأشعة كمال الإيمان وصدق الإخلاص، أما الخطوة الثانية .. فهي تسمو به إلى مستوى أعلى و مقام أرفع.

المرحلة الثانية ...

هذه المرحلة هي خطوة موفقة نحو العلم و النهل من ينابيع المعرفة و الحكمة اجتازها بعزم صلب و همّة عالية ، ففي مراكز الثقافة درس الفقه و التفسير و الحديث و التوحيد و اللغة و العلوم التي كانت قد تركت طابعها على البيئة التي عاش فيها إذ ذاك و لعبت دوراً كبيراً في حياتها متتلمذاً على يد أساتذتها و فحولها ، و انتظم في سلك حلقاتها يستمع ويحصّل بأذن واعية و عقل متلهف تلك المعارض السامية.

ثم اتجه إلى الشيخ الدوكالي .. و انتهى بهما المسير إليه ، رحّب بهما ترحيباً حاراً و أكرم وفادتهما إكراماً زائداً ، وسرّ بتلمذة هذا الفتى الشاب على يديه .

مكث عبد السلام الأسمر في مختبر أستاذه و مربيه نحو سبع سنوات يتلقى خلالها العلوم و المعارف و التصوف و تربية النفس و تهذيبها و السلوك القويم و كيفية التوجه إلى الله عز و جل على بساط الإخلاص و درب التواضع و لين الجانب، فكان أثناء هذه الفترة تلميذاً باراً بوالده الروحي و أستاذه التربوي، لا يعصي له أمر و لا يخرج له عن طاعة رغم تكرر التجارب و المحن التي محّصه بها استاذه ، وقد كانت كل تلك التجارب موفّقه ، ونتيجة ذلك الإمتحان ناجحة ، فقد نال الأسمر مرتبة الشرف الأولى بتقدير ممتاز يؤهله لأن يرتقي إلى مصاف الأساتذة و المربين من أساطين التربية الروحية و فحول القيادة الصوفية، و الأخذ بيد الناشئة نحو السلوك الأفضل و العمل الأمثل، وسمت رتبته وعلت درجته و أصبحت له مكانة الشيوخ و المرشدين، وخرج من طور التلمذة إلى مرحلة التوجيه و تربية المريدين ، لذلك انس منه أشتاذه قدرته الكافية و بدت عليه ملامح الإستقلالية و سمات القيادة الدينية و مخايل الرئاسة الروحية و التربوية، فاشار عليه بالإستقلال و خلع التبعية و الجلوس للناس للإنتفاع به و التصدي لتوجيههم و صقل نفوسهم قائلاً له هذه العبارة التي تحوي في فحواها و صريحها الإذن الكامل و الإجازة العامة :

" يا عبد السلام ورثت مقامي اذهب لتنتفع بك الناس، الشيخ ما يخدم شيخاً "

عزّ على التلميذ الفراق و المتاركة و تعلقت نفسه بالصحبة و المراقبة و الإستمرار في الخدمة و تقديم العون و المساعدة، فرفض هذا الطلب و لمس من نفسه النقص و طلب المزيد من الخدمة و التربية و الإرتواء من معين التهذيب و منبع التاديب و المراقبة، ولكن أصرّ الشيخ المربي بإلحاح على تنفيذ الأمر بالمغادرة و الذهاب لنفع الناس و النزول بمنزلة الصدارة، ففارق التلميذ أستاذه على كره و مضد يعلوه الحزن و الكآبة، و ظل يبحث عن شيخ ليبقى في خدمته و ليعرف من زلال رساخة النفس وآدابها عسى أن يظفر بشيخ يرضاه تلميذاً خادماً ..

أخذ يطوف على الشيوخ واحداً بعد واحداً، و كلما مكث فترة عند أحدهم امتنع من تخديمه لإطلاعه على علو قدره و شموخ رتبته حتى طاف على ثمانين مربياً منهم الشيخ محمد عبد الرحمن الحطاب، و العوسجي، و عبد الله العبادي، وعبد النبي بن عبد المولى، كلهم ابى تخديمه و رفض تلمذته ...

هذه تعدو المرحلة الأولى من رحلاته و ضربه في الأرض و مغادرة الوطن و الأهل سعياً وراء السمو، وأما رحلاته الأخرى فنوجز الحديث عنها :

بعد أن انتهت تلمذته على شيخه الدوكالي و عدم ظفره بمن يرضى بتلمذته من الشيوخ و الأولياء رجع إلى بلده و مسقط راسه " زليتن " فوجد والدته قد كف بصرها فبقى متفرغاً لعبادة الله تعالى و الذكر و أعمال الخير و البر و استمر على ذلك و صحبة والدته في تلك البلدة لم يغادرها حتى ماتت والدته و التحقت بالرفيق الأعلى ، وبعدها ساح في الأرض يلتمس البركات و يتصيد الأسرار، ويزور عباد الله من أهل التقوى و الصلاح، معرجا على جبل زغوان حيث الخلوة الهادئة و الفراغ المطلق فمكث فيه فترة من الزمن للعبادة و الذكر، ثم رجع إلى بلده " زليتن " مرة ثانية، إلا انه لم يطب فيها المقام و لم تصفو له الحياة فيها ، فاضطر إلى مغادرتها.

وهكذا استمر ترحاله ما يقرب سبع مرات، ولم يستقر بها إلا في آخر عودة إليها حيث قضى بقية أيامه فيها إلى حين توفاه الحي الذي لا يموت.

إلى ساحل الأحامد ...

بعد أن خرج من " زليتن " توجه تلقاء ساحل آل حامد فمكث فيه مدة من الزمن و التف حوله جماعة من أهل الفضل و الصلاح من أهل ماجر، غير انه لم يصفوا له الجو طويلاً، فخرج منها مولياً وجهه شطر مدينة طرابلس عسى ان يطيب له فيها المقام و يصفوا له العيش.

إلى طرابلس ...

بعد ان غادر ساحل آل حامد، واصل السير في طريقه نحو مدينة طرابلس حتى ألقى عصا الترحال بها ، وانتهى به المطاف إلى مسجد الناقة فاتخذ به خلوة للعبادة و التفكير، وما أن طار خبره في الآفاق حتى التفت حوله هالة ضخمة من الناس يربيهم و يرشدهم، وتكاثر الخلق عليه يوماً بعد يوم، إلا أنه لم ينجوا من الإنكار عليه حتى انقدح في نفوس بعض أتباعه و مريديه صحة ذلك الإنكار، ورغم التجريح في مقامه، والتشريد ببعض فقراءه، أصر على ذلك و كابد لرحابة صدره و سماحة نفسه و طهارة روحه، غير أن هذا الصبر و الحلم زاد من تالف المعترضين عليه و المنكرين لحاله وما عليه، فلم يطيقوا صبراً حتى وشوا به لدى والي طرابلس، و إدّعوا عليه أنه يشوش عليهم البلاد ويزلزل كرسي ولايته من تحته ، وهكذا ما انفكوا يحرضون الوالي على طرده و يوغرون صدره حتى أجبره على مغادرة طرابلس و جميع أحبائه، فاضطر للرحيل مولياً وجهه في إتجاه جبل غريان.

إلى جبل غريان ...

خرج الشيخ عبد السلام الأسمر قاصداً جبل غريان، فواصل سيره حتى انتهى إليه، وعند وصوله وقع إختياره على الإقامة بكهف هناك يقال له " تكيره " فمكث فيه مدة من الزمن للعبادة و مجاهدة النفس، ولكن حاله فيه لم يكن بأحسن حال مما سبقه من الأماكن الأخرى التي أضطهد فيها بل اشتد عليه الظلم فيه و قاس من الأهوال و الشدائد مالم يقاسيه من غيره من البلدان فلم يحظ بإكرام ولا إحترام إلا من أولاد أبي سلامة واولاد سعد، فهؤلاء أولوه إحترامهم و إهتمامهم.

إلى سوف الجين ...

تحت ظروف تلك المعاملة السيئة و الأذى المتزايد غادر الأسمر جبل غريان قاصداً بني وليد " بلدة ورفلة " ، وواصل سيره حتى دخل البلاد فعمد إلى جبل كبير هناك هناك يدعى " قلعة سوف الجين " وكان بصحبته مريدوه فاختاره مستقراً و مقاما له، وكان ذلك الموقع خالياً من الماء فأصيب القوم بالعطش و احتاجوا إلى الماء للطهارة و النظافة، فاتجهوا نحو الشيخ الأسمر يفاوضونه في ذلك الامر الخطير و يلتمسون عنده المخرج من هذه الشدة عسى الله أن يجود عليهم بالماء، فتوجه إلى ربه عز و جل يدعوه و يتضرع إليه لتفريج هذه الكربة و الخلاص من هذه المحنة و هو يتلو بعض آيات الله البينات، وأخذ معوله فضربه على بركة الله و توفيقه في صخرة هناك لم يلبث ان نبع الماء منها فانزاحت تلك الشدة ، وصدق الله العلي القدير إذ يقول :

{ومن يتقي الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ امره}

و لازالت تلك العين تسح الماء حتى يومنا هذا و يُطلق عليها " القطار " و يقال لها " عين سيدي عبد السلام الاسمر ".

إمتدت إقامته بتلك القلعة نحو سبع سنوات وهو يناجي ربه و يعبده و يتضرع إليه و يتذلل له و يتلوا كتابه بعيداً عن التشويش و الشواغل الصارفة عن الله تعالى، إلا أن عيون الحقد و البغضاء لم تنم عنه ، فراحوا يخاطبون الوالي في أمره و يفاوضونه في شأنه للتخلص منه، حتى أقنعوه بتوجيه جيش عظيم صوب المكان الذي يمكث فيه وبقيادة الوالي نفسه و بصحبته القاضي، وتحرك ركب الجند يقطع القفار ويجوب الوديان و الشعاب حتى انتهوا إلى وادي" سوسو " فباتوا فيه ليلة يحيطها الهم و البلاء و تعلوها التعاسة و الشقاء إنتقاما لأولياء الله و حراسته لعباده الصالحين ،و بعد ان أذن الله بالصباح أن ينجلي أشار الوالي و القاضي على العسكر بالتوجه إلى القلعة وما أن تحرك الجيش حتى داهم جند من جنود الله المرابط على حدود تراب أهل الله حتى إمتلا الجو بطير الخطاف و حال دونهم ودون القلعة فلم تنفذ إليها أبصارهم لإقامة هذا الطير حاجزاً كثيفاً يحجب البصر عمّا وراءه في إتجاه القلعة، فاختل توازن القيادة و التدبير و ارتبك القوم في أمرهم و حاروا في تفكيرهم، فاسترشد الوالي بالقاضي فأمر على الجند بالتحرك و التقدم نحو الشيخ و رفاقه ......
اقفهر الجو واسود فغشى القوم من الهم و الشدة ما غشيهم حتى شعروا بالهلاك فراجعوا أنفسهم وعادوا غلى صوابهم وشدوا الرحال وولوا إلى المدينة راجعين بخفي حنين.

المرور بـ تاورغاء ...

بعد أن خابت مساعي الوالي و جنده أرسل إلى الشيخ عبد السلام يلتمس منه الرجوع إلى البلاد و التوطن بها و الإقامة فيها ، وأباح له أن يصطفي منها ما يشاء من الأماكن و البقاع لمقره و سكنه فلقى ذلك قبولاً من نفس الشيخ فاستقل ركبه ماراً ببلدة تاورغاء فاستقبله أهلها أحسن إستقبال و أكرموا وفادته ، فطاب له المقام وحلى له الإستقرار و صفا له الجو حتى كاد يبني بها داره و يؤسس بها مستقره لولا خاطر الإلهام و وارد النفس ففوض أمره إلى الله و تاهب للرحيل فخرج من تاورغاء إلى مصراته.

إلى مصراته ...

غادر تاورغاء متوجهاً نحو بلدة " مصراته " فوصلها و استقر مدة بدار " سيدي علي بو دبوس " ، التي بناحية تدعى " يدر " ، وهناك حظى بالإكرام و التعظيم من أهالي هذه البلدة فغمروه بحبهم و الإلتفاف نحوه ، ولكن الله أراد غير ذلك فخرج من هناك متوجهاً نحو " زليتن ".

رجع الشيخ عبد السلام الأسمر إلى بلده و مسقط راسه " زليتن " بعد غيبة طالت أكثر من سبع سنين ، وهو يضرب في طول البلاد و عرضها و ينتقل من مكان إلى آخر حتى آل إليها مرغوباً فيه معترفاً بفضله بعد أن خرج منها مرغوماً عنه طريد الحقد و الحسد و ضيق النفس بأهل التقوى و الصلاح، وعزم في بادئ الأمر على النزول بين أهله و أبناء عمومته الفواتير، وفرحوا بمقدمه و سروا به بإقامته بينهم و بجوارهم، وفكّر في بناء زاويته هناك ولكن الله قدّر غير ذلك فصرف عزمه عنه، واتجه نحو " قلب زليتن " ففيها المثوى و المستقر حتى آخر أنفاسه، وهناك أسس منارة للعلم و العرفان و التربية و السلوك و أنشأ زاويته لحفظ القرآن الكريم و الدراسة و التحصيل و العبادة والذكر لتصبح مشعلاً يهتدي بنورها السائرون و يشرب من زلالها المتعطشون للعلم و المعرفة و يروي عليه من رحيقها الروحي المتلهفون لتربية النفس و تهذيبها، أسس هذه الزاوية سنة "912 " من هجرة المصطفى عليه الصلاة و السلام ، و مكث بها يرشد الناس و يوجههم التوجيه السليم و يعلمهم أمور الدين و أخلاقه سالكاً الطريقة العروسية الشاذلية صابراً محتسباً مجاهداً في سبيل الله بنفسه و جوارحه و لسانه و قلبه و ماله.

صارت بلدة زليتن مطمع للأنظار و محط الرحال و بذلك دخلت مجرى التاريخ فضربت فيه بالسهم الأوفى و القدح المعلى و هكذا بقى الأسمر على تلك الحالة حتى وافاه مولاه عز و جل و التحقت روحه الطاهرة بالرفيق الأعلى و هو مستقبل القبلة مضجعاً على جنبه الايمن و هو يقول :

" أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله "

و أخذ يكرر ذلك حتى فاضت نفسه يوم الخميس من العشرة الأواخر من رمضان بعد صلاة العصر سنة " 981" من الهجرة النبوية، وغسله بخلوته سالم بن طاهر ، و تولى صب الماء عليه عمر بن جحا تنفيذاً للوصية الصادرة منه حال حياته ، و غسل يوم الجمعة ثانيا و صلى عليه بعد صلاة الجمعة و تولى الإمامة في الصلاة عليه سالم بن طاهر و دفن بزاويته المشهورة التي بقيت إشعاع و تنوير لكل من يقصدها و يشد الرحال إليها من أقاصي البلاد و أدانيها للإرتواء من معين المعرفة و النهل من نبع الثقافة و التربية، وبارك الله في هذه الزاوية منذ إنشائها و حتى هذا الوقت حيث مضى عليها خمس قرون تقريباً و هي تساهم في بناء صرح الفكر الإسلامي و تربي العلماء و تؤول الطلاب القارئين الدارسين، وتستقبل الفقراء الذاكرين، وتكرم الغرباء و الوافدين و عابري السبيل و المنقطعين وتدر عليهم من روافدها المالية وربع أوقافها الأهلية ما يسد حاجاتهم.

أثاره و طريقته

كان الشيخ عبد السلام الأسمر عالماً من العلماء الكبار و صوفياً مربياً من خيرة المربين و المرشدين، وعاش طول حياته لله عز و جل و في الله، فهو بين ذاكر و معلّم و مؤلف فكان يكتب بعض الكتب بنفسه، وكان له كتبه يكتبون عنه و يحرر ما يفيض به عليهم من العلوم و المعارف، وكان له نوعاً من الكتّاب، نوع ملازم له في حالات خاصة، ونوع غير ملازم له ، وغير ذلك أربعون كاتباً كاتباً، وهذا العدد الهائل من الكتّاب بجانب تولي الكتابة بنفسه في بعض الأحيان تدل على ثروة هائلة في التأليف و الإنتاج، ويبرهن على تكوين تركة علمية ضخمة وتراث فكري مترامي الأطراف متشعب الجوانب يفسر لنا ذلك السر بعض المؤلفين في حياة الشيخ عبد السلام الأسمر بأن المؤلفات المذكورة أصابها التلف و الضياع بسبب إنتهاك حرمة الزاوية بعد موته و الإعتداء على ما فيها من الكتب و الأرزاق، ولم ينجوا من المؤلفات إلا النذر اليسير الذي أنقذ بطرق الحيلة و قدّر الله تعالى بقائه، ومن ذلك ما يلي :

1. الوصية الكبرى :
وهي عبارة عن نصائح و إرشادات وجهها إلى إخوانه و مريديه يحثهم فيها على تقوى الله في السر و العلن و يدعوهم إلى أداء فرائض الله و عدم التهاون و التسهّل في شأنهم و يحذرهم من معاصي الله و آثامه و الإعتزاز بالدنيا و التكالب إليها و الركون إلى جانبها و التمسك بالدنيا لها مع الغفلة عن الدار الباقية، ويرسل لهم فيها طريق التوجه إلى الله، كما بينتها شريعة الله على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم، و بالجملة فهي خلاصة واعظه تامر بالمعروف و تنهى عن المنكر و تنبير العقل و تشرح الصدر و تهذب النفس.

2. الوصية الصغرى :
وهي نصائح و توجيهات و إرشادات تنير الطريق للسالك و تأخذ بيده نحو السعادة في الدنيا و الآخرة، غير أنها أصغر حجم من الوصية الكبرى.

3. الأنوار السينية :
وهي موجز صغير يبين سلسلة الشيوخ الذين اتصل سنده بهم في الذكر و الإتجاه إلى الله عز وجل ابتداءاً بشيخه الأول عبد الواحد الدوكالي.
وهي جملة نصائح و رسائل وجهها لبعض إخوانه و أحبائه و أتباعه بتونس و الأقصى و غريان و طرابلس الغرب و نصيحته الرجل الصالح رائد بن يحي المحجوبي المقرحي و نصيحته لمريده سعيد بن عبد الرحمان الغدامسي و نصيحته لمريده عبد الرحمان أمين عبد المؤمن الفزاني و نصيحته لمريده محمد بن عبد الكريم الشاذلي و نصيحته لمريده عبد الحميد العوسجي.

4. الوظيفة و الأحزاب :
وهي عبارة عن أدعية و أذكار و تسابيح و آيات قرآنية كان مواظباً عليها و يحث قرائتها و المواظبة عليها و كانت أربعة أحزاب : الحزب الكبير / الحزب الطمسي / حزب الخوف / حزب الفلاح ، وكلها موجودة في بعض الكتب التي ألفت في حياة الشيخ.

طريقته

كان الشيخ عبد السلام الأسمر عالماً من أكبر العلماء درس التوحيد و علم العائد و التفسير و الحديث و الفقه و اللغة وغير ذلك من العلوم الشرعية و مارس علم التصوف دراسةً و ذوقاً و تطبيقاً، وكان مذهبه في الإعتقاد و الفقه مذهب أهل السنة و الجماعة فهو أشعري العقيدة و القدوة و النزعة، مالكي الفقه على مذهب إمام دار الهجرة الإمام الجليل و القدوة الحسنة مالك ، أما بالنسبة لسلوكه الصوفي الروحي فهو عروسي شاذلي ينتمي إلى ذلك بواسطة أول أساتذته الذي سلك تلك الطريقة و انتمى إليها و تبرّك بشيوخها المتسلسلة واحد تلو الآخر حتى رسول الله عليه أفضل و أزكى السلام فالشيخ عبد السلام الأسمر أخذ عن أستاذه الشيخ عبد الواحد الوكالي ، وهذا أخذ عن فتح الله بن أبي راس القيروان المقبور ببيرنرو من بلاد السودان و فتح الله هذا أخذ عن أبي ترليس أحمد بن عبد الله الرشيد الساحلي مولداً القيرواني قبراً و قراراً وهو أخذ عن أبي راوي عبد الله المشهور بالفحل بن علي القلعي.

تذييل ... الإهتمام بالكتابة عن شخصيته

إن شخصيته طارت شهرتها و ذاع صيتها ، وهناك من المؤلفين من اهتم بحياة الشيخ عبد السلام الأسمر و حرر نبذة تاريخية عن سيرته و آثاره ومن هذه الكتب و المؤلفات ما يلي :

- الديمام، لكريم الدين البرموني.
- روضة الأزهار، لكريم الدين البرموني أيضاً.
- مجموعة لعبد الرحمان المكي و كتاب متوسط له أيضاً و كتاب صغير له أيضاً وقيل أن جزء من هذه الكتب موجود بمتحف استانبول بتركيا ، المتحف البريطاني.
- مجموعات لعمر ابن جحا.
- النور النائر، للشيخ سالم السنهوري.
- مجموعة في جزئين لعبد الرحمان الفيتوري.
- تنقيح روضة الأزهار، للشيخ محمد محمد مخلوف.
- فتح العليم، للشيخ عبد السلام العالم الشيخي.
- البرهان، لمحمد بن علي الزليتني.
- كبير عن الأسمر، لسالم الحامدي.
- الأسمر البحر، لمحمد ابن عطية ، ثلاثون جزء.
- المتوسط، لمحمد بن عطية.
- الأربعة اجزاء، لسعيد القطواني.
- الأسمر، لسالم بن طاهر.
- مجموعة المعتوق المدني.
- مجموعة الفاسي.
- مجموعة عبد الله الحطاب.
- فتح العلي الاكبر، للشيخ الطيب المصراتي.
- على هامش سيرة سيدي عبد السلام الأسمر، للإسحاق المليجي العصري

و هذا ما وصلت إليه المؤلفات التي أفردت الشيخ عبد السلام الأسمر بالبحث، وهناك من ترجم له ضمن شخصيات أخرى ترجمت مقتطفة من تلك الكتب التي خصت بالكتابة و الترجمة وهي :

- صاحب المنهل العذب
- أعلام ليبيا

وختاماً نسأل الله الهداية و التوفيق و صلى الله على سيدنا محمد و على آل بيته و صحبته و التابعين ...
و السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

المصدر :

هذه المعلومات قمت بنقلها إليكم ( و بتصرّف أعتذر لمعدّي الكتاب في ذلك و ببعض الترتيب ) من كُتيب عنوانه :

" صفحات عن حياة الشيخ سيدي عبد السلام الأسمر "

[center]

بارك لله فيك
احسنت ابدعت
تقبل مروري
شكررررررررا
جزيل شكر

شكــــــــــــــــــــــــراجزيــــــــــــــــل
لمــــــــــــــــروركــــــــــــــــــــم
الطيـــــــــــــب والرائـــــــــــــــع
تحـــــــــــــــــــــــــــــــــيا تـــــــي
الشيخ عبد السلام الأسمر 862210

مشكور اخى على المعلومات القيمة
مزيد من الابداع

تقبل مرورى
تحياتى

شكراااااااااااا

على مرورررررررررركم

الطيب والرائع

تحياتي

الشيخ عبد السلام الأسمر 862210

بارك الله فيك
احسنت
تقبل مروري
شكرررررررررا
تحياتي

شكـــــــــــــــــــــــــرا لمروركــــــــــــــــــــم
الطـــــــــــــــــــــــيب والرائــــــــــــــــــــــــع
لـــــــــــــــــــــــكم مني فائق الود والاحترام
تحيــــــــــــــــــــــــــــــــــــا تــــــــــــي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

» قصة حياة الشيخ عبد السلام الاسمر رحمه الله
» مراحل حياة الشيخ عبد السلام الاسمر رحمه الله
» فوائد الخبز الأسمر
» الشيخ صديق بوعبعاب
» القائد الشيخ