..(طباخة)..

موضوع: ..(طباخة).. الإثنين مايو 10, 2010 8:02 pm

بقلم : آمال فرج العيادي

ـ صخب في الطابق الأرضي أقضَّ مضجعي ، وأفسد نومي .. صخب .. ضجيج .. أصوات نسائية عالية .. بكاء أطفال .. صراخ مواليد .. زغاريد .. تصفيق ( كشكك ) تطبيل مراهقات رتمه سريع .. كل هذه الجلبة لم تخف نبرة الأسى المنبعثة من صوت الطبَّاخة المحمِّس أثناء تحفيزها لمن تطوَّعن لمساعدتها من النساء المقرَّبات لأهل العرس ..
( نا عينى ويش انديرلها .. نصّ مواجعها من هلها )

(مخازن قلبى مليانات .. مواجع ومعاهن سيَّات )

(هابا ياما شايل عقلي ..غير وطيت عليه بثقلي )

امرأتان واقفتان في ركن المنور يفتحن أكياس الأرز وينكثـنها فى قصاع كبيرة مصنوعة من الخشب لتنقيته من الشوائب .. وفتاة تغسل الطناجر التى ستستعملها الطباخة بالماء والليفة والصابون وتباهت أمام الطباخة والأخريات بأنها وحدها من قامت بجلي الطناجر والقصع والسخاخين ولقامات الشاى الكبيرة قبل اسبوعين من الفرح ووضعتها في أكياس بلاستكية لحفظها من الغبار والغبش .. فهذه العائلة لديها أاشياء تعد قديمة نسبيا كالسفر والقصع ولقاقيم الالمونيوم التى يستعملون الناس أواني السانستيل وأطباق الزجاج عوضًا عنها فهي لا تحتاج إلى مجهود كبير ليعود إليها بريقها اللامع .. لكن أمها الحاجة منبية أصرت على عدم استبدال أوانيها القديمة وترفض التفريط بها.

- هذه الأواني عزيزة على نفسي واعتبرها ( قراري )

وكم حرمت نفسي من قطع الحلي التي كنت أتحصل عليها من خواتم وأساور لاشتري بها الطناجر والمغارف والأباريق والسفر الكبيرة وكل مستلزمات المناسبة ولم اشتريها رخيصة لأفرط بها بسهولة .. فقد كنت اشتريها بالغلاء والكواء من الباعة المصريين الذين يذرعون الشوارع صباحًا ومساء .. يصيحون ..

- معانا .. معانا .. فأخرج ما معى من أجل الشراء وغالبا ما اعجز عن سداد المبلغ دفعة واحدة فيقسطه لى على دفعات وأحياناً أقايضه بالتموين ( الشاي والزيت والسكر ) عندما كان التموين متوفراً في الأسواق والحوانيت والجمعيات .. كثيراً ما عرضني ذلك لشجارات مع أبيك وهذه الطعجة التي تجلينها الآن هي نتاج توتر ونوبة غضب جارفة أفضت عن رفع الطنجرة وهي تبكبك بالمكرونة بكلتا يديه ورميها بقوة لترتطم بالجدار الذي أقسم أن لا يرمَّم أو يطلى من بقع الدهن وبقي على حاله سنواتٍ إلى أن ذهب أبوك إلى الحج فأصلحناه وطليناه فرحًا بحجِّه وعودته سالمًا بهدايا الحج وماء زمزم .

- ما شالله عليك .. جاليتهن جلية نصح ..

- تحقِّي فيهن وجهك .. عطيك الصحة ..

- آه منعميين الرجالة !!

- ما يحقوا غير فى هلي يتباقسن قدَّامهم .. متاعات الأحمر والأخضر .. ويتلوَّن رايحات تقول مستكة !

اشعلت الطباخة ثلاثة مواقد للغاز ، وملأت أنصاف الطناجر بالماء ، ووضعت بها شرائح البصل والطماطم الأخضر والفلفل الأخضر والملح والتوابل الجافة ولكنها غير مرحية مثل ( الشيبة .. حبيبات الفلفل الأسود ..أعواد القرفة .. الزنجبيل .. حب الهال .. كعيب الطيب ..شوش الورد .. عود اللحم ..ورق الغار ..وبهارات كثيرة بروائح مختلفة تسيل اللعاب أعرف شكلها ولا أحصي أسماءها ، وبعد أن تفاور الماء بما حوى بدأت بوضع قطع اللحم المغسول والمقطع إلى قطع ليست .

بينما كانت الطبَّاخة تسكب الزيت والملح فإذا بعجوز خرجت لتوَّها من الوضوء ماسحة بكفها نقاط المياه المتبقية علي وجهها تقول:

ـ ساعدن شوية عليك بقبقة فى الزيت )

ـ زيت جمعية يا حاجة ..

ـ والله شارينه من السوق السوداء الصندوق بثلاثين دينار )

نضج الأرز ، وبدأت المدعوات بالحضور ، واستعدن الفتيات لتقديم العشاء مع المشروب والفاكهة و الحلويات للحضور ..كلما اعتزم مساعدتهن يأتيني مشهد يشغلني ويحملني لأسرح في لوحة ستكون مشروعي القادم رقعة الحياة الذي لا يحتمل التأجيل وعليه أصعد ركضًا إلى الحاسوب الذي دائمًا مفتوح وعلى أهبة الاستعداد لنقرات أصابعي أو تخطيط فارتي .. قليلاً ، وسمعت طرقات على الباب ، طبق من الأرز ولحم عجل صغيرة وقليل من حبيبات اللوز المشطورة إلى أربعة أجزاء الواحدة لا تساوي حجم الصنوبرة وقطع الكبدة انكمشت تكاد لا ترى وسط هذا الكم من الأرز الذي لا تدل رائحته على شكله تمامًا .. أقفلت عليَّ بابي .. أخذت الملعقة وتذوقته .. كان طعمه رائعًا لما بذل فيه من جهد ومهارة وليس ذنب الطباخة قلة الإمكانيات .. نهرت الطباخة بسبب موقفها هذا :

راكبة نازلة بلكي مدت يدها في حاجة

لكن حرام شافاته وشمَّاته اعتبروه صدقة

هذا كان مدخلاً لتتحايل عليها في إنقاص أجرتها المتفق عليها والغريب أنها أتمت توزيع الطعام إلى آخر حبَّة أرز دون أن يطلب منها عزل قصعة لأولادها كما جرت العادة .. تعالى الصياح وما أثارني هو بكاء الطبَّاخة وهى تقول ( أنا طبَّخت وتعبت وسترتكم مع الناس حتى وإن كان حاجتكم شويَّة لكن درت جهدي .. عطيتونى حقي كامل باهي .. ما عطيتونيش أنا موكَّلة ربي حتى ، أنا نربِّى في إيتام .. و حالي يعلم بيه ربي .. بعض الجارات تعاطفن معها بعد أن تركتها أم العروس في المنور تبكى بعبرتها وخرجت ..

هذا اللي عندي .. نصّ المبلغ كان عاجبك ............!!

قدمت لها إحدى الجارات كأس ماء وأخذت تواسيها بينما المراهقات اللاتي شبعن من الأرز ارتفع رتم شتاوتهن :

يرنّ عليَّا بْصوت اطوير .. بعد كان يشيِّر تشيير

موضوع: رد: ..(طباخة).. الأربعاء مايو 12, 2010 3:29 pm

شكراً

لك أجمل التحايا

موضوع: رد: ..(طباخة).. الأربعاء مايو 12, 2010 10:12 pm

مرورك عطر صفحتي

موضوع: رد: ..(طباخة).. الأربعاء مايو 12, 2010 11:08 pm

بارك الله فيك
موضوع قيم ورائع
يعطيك العافيه
شكرا لك

موضوع: رد: ..(طباخة).. الأربعاء مايو 12, 2010 11:08 pm

.مرورك اسعدني

موضوع: رد: ..(طباخة).. الجمعة مايو 28, 2010 11:23 am

شكراً لك اجمل تحية

موضوع: رد: ..(طباخة).. الخميس يونيو 03, 2010 9:39 pm

سويسا منورة على الموضوع

زائر

الف شكر لكِ صديقتي

موضوع: رد: ..(طباخة).. الخميس يونيو 03, 2010 10:50 pm

مرورك اسعدني
الطير الجريح